في خضم الحملة الانتخابية المحتدمة، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلاً واسعاً بتصريحاته الأخيرة التي وصف فيها دولاً عديدة بـ “الدول القذرة”، وعاد ليطلقها مجدداً خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا. هذه التصريحات، التي تستهدف بشكل خاص المهاجرين من دول أفريقية وآسيوية والكاريبي، ليست جديدة على ترامب، لكنها تصعد من حدة الخطاب المناهض للهجرة وتثير تساؤلات حول مستقبل السياسات الأمريكية تجاه هذه الدول وشعوبها. التركيز على هذه القضية الحساسة يهدف إلى حشد التأييد الشعبي، لكنه يأتي بتكلفة عالية على صورة الولايات المتحدة في الخارج.
عودة إلى التصريحات المثيرة للجدل حول الهجرة
أعاد ترامب استخدام عبارة “الدول القذرة” التي أثارت ضجة كبيرة في عام 2018، نافياً حينها استخدامه لها. الآن، يكررها علناً، مضيفاً إلى ذلك تفضيلات واضحة لمهاجرين من دول أوروبية شمالية مثل السويد والنرويج والدنمارك. هذا التمييز الصارخ يعكس رؤية ضيقة للهجرة تركز على الأصل العرقي والثقافة، متجاهلاً المساهمات الإيجابية التي يقدمها المهاجرون من جميع أنحاء العالم.
كما وجه ترامب انتقادات لاذعة للصومال، واصفاً إياها بـ “كارثية، قذرة، مثيرة للاشمئزاز وتستشري فيها الجريمة”. هذه التصريحات، بالإضافة إلى استهزائه بالصوماليين، تعتبر إهانة مباشرة لشعب يعاني بالفعل من تحديات كبيرة، بما في ذلك الصراعات والفقر وتغير المناخ. الجدير بالذكر أن هذه التصريحات تأتي في سياق متزايد من الخطاب العنصري الذي يتبناه ترامب وأنصاره.
ردود الفعل الرسمية على تصريحات ترامب
لم تمر تصريحات ترامب دون ردود فعل. أعرب وزير الدفاع الصومالي أحمد معلم فقي عن رفضه القاطع “للتقليل من شأن الصوماليين أو إهانتهم”، مؤكداً على صمود الشعب الصومالي وقدرته على التغلب على الصعاب. وأشار فقي إلى أن الصوماليين يرفضون أن يكونوا موضوعاً لخطاب سياسي رخيص، وأنهم يفضلون أن يركز الرئيس الأمريكي على الوفاء بتعهداته لمنتخبيه.
على الرغم من الرفض الصومالي، أعرب الوزير عن امتنانه للدعم العسكري الأمريكي في محاربة الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة. هذا يوضح مدى تعقيد العلاقة بين البلدين، حيث يوجد تعاون في مجالات معينة، ولكن هناك أيضاً خلافات عميقة حول القضايا المتعلقة بالهجرة والسيادة. في المقابل، دافع بعض الجمهوريين عن ترامب، معتبرين أنه “يتحدث بلغة يفهمها الأميركيون”، مما يعكس الانقسام السياسي الحاد في الولايات المتحدة حول قضية اللاجئين والمهاجرين.
تصعيد الخطاب في ظل أحداث متلاحقة
تصاعد خطاب ترامب المناهض للهجرة تزامن مع حادثة إطلاق النار في واشنطن في نهاية نوفمبر، والتي اتُهم فيها شاب أفغاني. استغل ترامب هذه الحادثة للدعوة إلى ما أسماه “الهجرة العكسية”، وهي فكرة متطرفة تدعو إلى ترحيل جماعي للأجانب. هذا الخطاب يعكس مخاوف متزايدة بشأن الأمن القومي، ولكنه أيضاً يغذي الكراهية والتمييز ضد المهاجرين.
عقب عودته إلى السلطة المحتملة، جمّد ترامب طلبات الهجرة من 19 دولة يصنفها ضمن “العالم الثالث”، معرباً عن استعداده لاستقبال مزارعين بيض من جنوب أفريقيا، مدعياً أنهم يتعرضون للاضطهاد. كما استهدف الجالية الصومالية في مينيسوتا والنائبة الديمقراطية إلهان عمر، مستخدماً تعابير مهينة بشأن حجابها، ومطالباً بترحيلها على الرغم من جنسيتها الأمريكية.
جذور فكرية لخطاب ترامب
يرى المحللون أن خطاب ترامب يعكس توجهات قومية متشددة تعود إلى عشرينات القرن الماضي، حين فضلت الولايات المتحدة مهاجري شمال وغرب أوروبا. هذه التوجهات تعزز فكرة أن الهوية الأمريكية مرتبطة بالعرق الأبيض والثقافة الأنغلو-ساكسونية والمذهب البروتستانتي.
تصريحات مسؤولي البيت الأبيض السابقين، مثل وصف وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم لبعض المهاجرين بـ “مصاصي الدماء”، وكتابة مستشار البيت الأبيض ستيفن ميلر عن “الكذبة الكبرى للهجرة الجماعية”، تؤكد هذه الجذور الفكرية. هذا الخطاب يهدف إلى إثارة المشاعر القومية وتعزيز الدعم لسياسات الهجرة المتشددة.
الخلاصة: تداعيات خطيرة على السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية
إن عودة دونالد ترامب إلى استخدام خطاب الكراهية والتمييز ضد المهاجرين واللاجئين يمثل تهديداً لقيم التسامح والشمول التي لطالما تبنتها الولايات المتحدة. هذا الخطاب لا يضر بالعلاقات مع الدول المتضررة فحسب، بل يعزز أيضاً التطرف والعنف داخل الولايات المتحدة. من الضروري أن يتم التصدي لهذا الخطاب من خلال تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة، والدفاع عن حقوق الإنسان للجميع. النقاش حول سياسات الهجرة يجب أن يكون قائماً على الحقائق والأدلة، وليس على التحيزات والأحكام المسبقة. مستقبل السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية يعتمد على قدرتنا على بناء مجتمع عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً.















