تداولت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تدعي وجود ملابس داخلية “مضادة للاغتصاب” تم تطويرها في أوروبا، مما أثار جدلاً واسعاً. هذه الادعاءات، التي تستغل قضية حساسة مثل العنف الجنسي، سرعان ما تحولت إلى أداة في يد اليمين المتطرف لنشر خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب. هذا المقال سيتناول تفاصيل هذه الادعاءات الكاذبة، وكيف يتم استغلالها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على ارتفاع معدلات العنف الجنسي في أوروبا، مع التركيز على أهمية معالجة هذه المشكلة من خلال سياسات أمنية واجتماعية فعالة، وليس من خلال حلول زائفة.
ملابس “مضادة للاغتصاب”: وهم أم حقيقة؟
انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع عبر منصة X (تويتر سابقاً)، نشره الناشط البريطاني اليميني المتطرف تومي روبنسون، يزعم أنه يظهر ملابس داخلية جديدة مصممة لحماية النساء من الاعتداء الجنسي. الفيديو، المترجم من اللغة الإسبانية، يوضح أن هذه الملابس مصنوعة من مواد لا يمكن تمزيقها أو قطعها، وتحتوي على مزلاج خاص لا يفتح إلا في وضع معين.
لكن التحقق من الحقائق يكشف أن هذه الادعاءات مضللة. الفيديو يشير إلى شركتين: “AR Wear” الأمريكية و “Safe Shorts” الألمانية. البحث عن “AR Wear” يكشف أنها أطلقت حملة تمويل جماعي على موقع Indiegogo في عام 2013 لإنتاج هذه الملابس، لكن الحملة لم تنجح في طرح المنتج للبيع بسبب صعوبات في الحفاظ على الجودة والتكلفة. آخر تحديث للشركة كان في عام 2016، مما يشير إلى توقف المشروع.
وبالمثل، شركة “Safe Shorts” الألمانية، التي أسستها ضحية محاولة اغتصاب، لم يعد بالإمكان الوصول إلى موقعها الإلكتروني أو معلومات الاتصال بها، مما يدل على توقف نشاطها أيضاً. وبالتالي، فإن فكرة وجود ملابس داخلية “مضادة للاغتصاب” متاحة على نطاق واسع هي مجرد ادعاء كاذب.
استغلال الادعاءات في نشر خطاب الكراهية
الأخطر من الادعاء الكاذب نفسه هو الطريقة التي يتم بها استغلاله. استخدم اليمين المتطرف هذه الادعاءات لترويج خطاب معاد للأجانب، من خلال الإيحاء بأن أوروبا تلجأ إلى هذه الملابس كحل بديل لاتخاذ إجراءات سياسية حقيقية لحماية النساء، مثل تشديد الرقابة على الحدود أو تعديل سياسات الهجرة.
هذا التلاعب يهدف إلى إثارة مشاعر الخوف والكراهية تجاه المهاجرين، وربطهم بشكل غير عادل بارتفاع معدلات الجريمة. هذه الاستراتيجية خطيرة لأنها تصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للعنف الجنسي، وتعزز التمييز والعنصرية. العنف ضد المرأة مشكلة معقدة تتطلب حلولاً شاملة، وليست مجرد حلول سطحية أو زائفة.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار المعلومات المضللة
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في انتشار هذه المعلومات المضللة. سهولة مشاركة المحتوى، وسرعة انتشاره، وغياب الرقابة الفعالة، كلها عوامل تساهم في تضخيم هذه الادعاءات الكاذبة. من الضروري أن تكون منصات التواصل الاجتماعي أكثر مسؤولية في مكافحة انتشار المعلومات المضللة، والتحقق من صحة المحتوى قبل نشره.
ارتفاع معدلات العنف الجنسي في أوروبا
بغض النظر عن الادعاءات الكاذبة حول الملابس “المضادة للاغتصاب”، فإن حقيقة ارتفاع معدلات العنف الجنسي في أوروبا تستدعي القلق. تشير بيانات يوروستات إلى أن جرائم العنف الجنسي ارتفعت بنسبة 79.2% في عام 2023 مقارنة بعام 2013، فيما تضاعف عدد حالات الاغتصاب بنسبة 141% خلال نفس الفترة.
هذا الارتفاع يعزى جزئياً إلى زيادة الوعي الاجتماعي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الإبلاغ عن الجرائم. ومع ذلك، تشير البيانات أيضاً إلى أن حوالي امرأة واحدة من بين كل ثلاث نساء في الاتحاد الأوروبي تعرضت للعنف الجسدي أو الجنسي منذ بلوغها سن الرشد، وأن 13% منهن أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب أو أفعال جنسية مهينة. الاعتداء الجنسي جريمة بشعة تتطلب استجابة قوية وشاملة.
الحاجة إلى سياسات فعالة لمكافحة العنف الجنسي
لمعالجة هذه المشكلة، من الضروري تبني سياسات فعالة لمكافحة العنف الجنسي، بما في ذلك:
- تعزيز قوانين حماية الضحايا.
- توفير الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات.
- زيادة الوعي حول العنف الجنسي.
- مكافحة الصور النمطية الجنسانية.
- تعزيز المساواة بين الجنسين.
السلامة الشخصية تعتمد على مجتمع يحترم حقوق المرأة ويحميها من العنف.
الخلاصة
إن الادعاءات حول وجود ملابس داخلية “مضادة للاغتصاب” هي ادعاءات كاذبة يتم استغلالها من قبل اليمين المتطرف لنشر خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب. في الوقت نفسه، فإن ارتفاع معدلات العنف الجنسي في أوروبا يمثل تحدياً حقيقياً يتطلب استجابة قوية وشاملة. يجب علينا أن نركز على معالجة الأسباب الحقيقية للعنف الجنسي، وتبني سياسات فعالة لحماية الضحايا، وتعزيز المساواة بين الجنسين. لا يمكننا أن نسمح باستغلال قضية حساسة مثل العنف الجنسي لخدمة أجندات سياسية ضيقة. دعونا نعمل معاً لبناء مجتمع أكثر أماناً وعدلاً للجميع.


