أعرب المحامي الفرنسي إيمانويل داود عن أمله في أن يثمر الاستئناف الذي قُدم بشأن الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، المسجون في الجزائر منذ يونيو الماضي، عن “نتيجة إيجابية”، مع بدء النظر فيه اعتبارًا من يوم الأربعاء. هذا الاستئناف يأتي في ظل تحسن نسبي في العلاقات الثنائية بين البلدين، ويضع مصير كريستوف غليز و حريته على المحك. القضية تثير قلقًا دوليًا وتختبر مدى التزام الجزائر بحقوق الصحافة وحرية التعبير.
تفاصيل القضية و آمال الاستئناف
داود، الذي حضر جلسة الاستماع برفقة زميله الجزائري عميروش بكوري، أكد في تصريحات لإذاعة فرانس إنتر أن الفريق القانوني يتطلع إلى قرار عادل. وأشار إلى أن إطلاق سراح الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال مؤخرًا بموجب عفو رئاسي، بعد قضائه عامًا في السجن، يعتبر تطورًا إيجابيًا، على الرغم من تأكيده على عدم وجود ارتباط مباشر بين القضيتين. لكن هذا الحدث قد يخلق مناخًا أكثر تفهمًا لحالات مشابهة.
حُكم على غليز في نهاية يونيو الماضي بالسجن سبع سنوات بتهمة “تمجيد الإرهاب”، ليصبح بذلك الصحافي الفرنسي الوحيد المحتجز حاليًا في الخارج. التهمة الموجهة إليه تتعلق بالتواصل مع قيادي في نادي شبيبة القبائل لكرة القدم، والذي يُعتبر أيضًا زعيمًا لحركة تقرير مصير القبائل (ماك)، المصنفة من قبل السلطات الجزائرية كمنظمة إرهابية منذ عام 2021.
المحاكمة كإجراء جنائي ورفض وصف “الرهينة”
أصر المحامي داود على أن محاكمة كريستوف غليز تمثل “إجراءً جنائيًا أمام محكمة مستقلة وذات سيادة”. ورفض بشدة وصف موكله بـ “الرهينة”، مشيرًا إلى أن غليز يتمتع ببعض الحقوق الأساسية، بما في ذلك إمكانية الاطلاع على ملفه، والتواصل مع محاميه وعائلته، وهو ما لا يتوفر عادةً في حالات الاحتجاز المرتبطة بالرهائن.
وأضاف داود موضحًا أن أساس المشكلة يكمن في “سوء فهم تام لمهنة الصحافة” خلال المحاكمة الابتدائية. إنه أكد على ضرورة أن يوضح قضاة الاستئناف لزميليهم أن عمل غليز يتمحور حول الصحافة الاستقصائية وليس الانخراط في السياسة أو دعم الجماعات المتطرفة. تركيز المحامي ينصب على إبراز الجانب المهني من عمل الصحافي، و إظهار أن الاتصالات كانت بغرض جمع المعلومات فقط.
دعم دولي و تذكير بظروف الاعتقال
تلقى الصحافي كريستوف غليز دعمًا واسعًا من منظمات حقوق الصحافة، وعلى رأسها “مراسلون بلا حدود”، التي رحبت بالإفراج عن صنصال واعتبرته “بادرة إنسانية تمهد لتحسين العلاقات الفرنسية الجزائرية”. وأعربت المنظمة عن أملها في أن يتبع ذلك إطلاق سراح غليز.
غليز، وهو صحافي مستقل يبلغ من العمر 36 عامًا، يكتب لمجلتي “سو فوت” و”سوسايتي” التابعتين لمجموعة “سو بريس”. زار الجزائر في مايو 2024 لإعداد تقرير حول نادي “شبيبة القبائل” لكرة القدم. وفقًا لـ “مراسلون بلا حدود”، أُلقي القبض عليه في 28 مايو 2024 في تيزي وزو، ووضع تحت المراقبة القضائية بتهمة “دخول البلاد بتأشيرة سياحية” بالإضافة للتهم الموجهة له المتعلقة بـ “تمجيد الإرهاب” و”حيازة منشورات ضارة بالمصلحة الوطنية”.
التهم الموجهة و سياقها
تعتبر المنظمة أن التهم الموجهة إليه “لا أساس لها من الصحة وتم دحضها بالكامل”، مشيرة إلى أن سبب هذه التهم يعود إلى تواصله في عامي 2015 و2017 مع رئيس نادي تيزي وزو، الذي كان آنذاك مسؤولاً أيضًا في حركة تقرير مصير منطقة القبائل (ماك). و تؤكد المنظمة أن هذه الاتصالات سبقت تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية، وأن تواصله الوحيد في عام 2024 كان بهدف إعداد التقرير الصحفي عن النادي، وهي حقيقة لم يخفها غليز أبدًا. هذا يعزز من فكرة أن التهمة مبنية على تفسيرات غير دقيقة وربما خلافية.
دعوات لإطلاق سراح الصحافي
من جانبه، شدد فرانك أنيس، مؤسس مجموعة “سو بريس”، في بيان على أهمية بذل كل الجهود الممكنة، سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي، لضمان احترام العدالة وتمكين كريستوف غليز من العودة إلى عائلته وممارسة عمله الصحفي. هذا التأكيد يعكس التزام المجموعة بدعم صحافيها وحماية حقه في العمل بحرية.
مستقبل القضية و أهمية حرية الصحافة
مصير كريستوف غليز لا يزال معلقًا بقرار الاستئناف. يرجى إلى وجود زخم إيجابي بعد إطلاق سراح صنصال، إلا أن القضية تظل حساسة وتتطلب متابعة دقيقة. إن إدانة صحافي لمجرد ممارسة عمله، و التواصل مع مصادر، يرسل رسالة سلبية للغاية حول حرية الصحافة في الجزائر. يجب أن تسعى السلطات إلى ضمان بيئة آمنة للصحافيين وتمكينهم من القيام بواجبهم في تغطية الأحداث بحيادية وموضوعية. قضية غليز تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الجزائر بهذه المبادئ الأساسية. القضية تستدعي ايضاً مساهمات من خبراء القانون الدولي و منظمات حقوق الإنسان لضمان تطبيق معايير المحاكمة العادلة.



