طبيب الموت في فرنسا: حكم بالمؤبد على فريدريك بيشييه بتهمة تسميم المرضى
لقد هزت فرنسا محاكمة طبيب التخدير فريدريك بيشييه، المعروف باسم “طبيب الموت”، حيث أدين بتهمة القتل العمد لـ 12 مريضًا والتسبب في أذى لـ 30 آخرين على مدار عقد من الزمان. هذه القضية المروعة سلطت الضوء على خيانة الأمانة الطبية ودفعت القضاء الفرنسي إلى إصدار حكم تاريخي، وهو السجن المؤبد. تترك هذه القضية تساؤلات عميقة حول الدوافع التي قد تدفع طبيبًا إلى إيذاء المرضى الذين بين يديه.
تفاصيل الجريمة المروعة: كيف قام “طبيب الموت” بتنفيذ جرائمه؟
أدانت المحكمة الفرنسية فريدريك بيشييه (53 عامًا) بعد تحقيق مُطول كشف عن أساليب إجرامية مُروعة. كان بيشييه يعمل في عيادات خاصة في منطقة بسانسون شرق فرنسا، حيث استغل منصبه لإلحاق الأذى بمرضاه. استخدم الطبيب المُدان أساليب مُاكرة لتسميم المرضى، بما في ذلك التلاعب بجرعات الباراسيتامول والعبث بمعدات التخدير، مما تسبب في نوبات قلبية قاتلة.
التحقيقات التي بدأت بعد ارتفاع عدد الوفيات والحوادث الخطيرة بشكل غير طبيعي في العيادات التي عمل بها بيشييه، أظهرت أكثر من 70 تقريرًا عن “حوادث سلبية خطيرة” – وهو مصطلح طبي يشير إلى مضاعفات أو وفيات غير متوقعة. لم يكن الأمر مجرد سلسلة من الحوادث المؤسفة، بل كان نمطًا مُقلقًا أثار الشكوك لدى السلطات الطبية والقضائية.
دوافع القتل: خليط من السلطة، النقص، والتسلط
خلال المحاكمة التي استمرت ثلاثة أشهر، كشفت النيابة العامة عن دوافع بيشييه المعقدة والمتعددة، والتي تتعارض بشكل صارخ مع قسمه كطبيب. وصفت المدعية العامة كريستين دو كورايس بيشييه بأنه “قاتل متسلسل شديد الانحراف”، مدفوعًا برغبة عارمة في السيطرة والشعور بالتفوق.
لم يكن القتل بالنسبة له وسيلة لإيذاء الآخرين فحسب، بل كان “أسلوب حياة” يهدف إلى التغلب على شعوره بالنقص والإحباط. في بعض الأحيان، كان بيشييه يسعى للظهور كبطل من خلال “إنقاذ” المرضى الذين سممهم بنفسه، بينما في أحيان أخرى، كان يستهدف مرضى زملائه لتقويضهم وإظهار تفوقه المهني عليهم.
هذه الدوافع الخبيثة تجعل من قضية بيشييه واحدة من أكثر القضايا إثارة للصدمة في تاريخ القضاء الفرنسي. إنها تذكرنا بالجانب المظلم الذي يمكن أن يكمن داخل المهنة الأكثر نبلاً، وهي مهنة الطب.
ضحايا من جميع الأعمار: مأساة لا تعرف الحدود
لم يميز بيشييه في اختيار ضحاياه، حيث تراوحت أعمارهم بين أربع سنوات و 89 عامًا. من بين الضحايا، كان تيدي، وهو طفل يبلغ من العمر أربع سنوات، أصغرهم. نجا تيدي من سكتتين قلبيتين أثناء عملية استئصال اللوزتين الروتينية في عام 2016.
قال والده، هيرفي هورتر تاربي، للمحكمة: “ما حدث لنا كابوس. وثقنا بالطب ونشعر بالخيانة”. أضاف أن بيشييه استغل الطفل كأداة في صراعاته المهنية، مستهدفًا سمعة زملائه الأطباء.
لم يقتصر الأذى على الأطفال، بل امتد ليشمل المرضى البالغين الذين يعانون حتى اليوم من آثار التسمم. ساندرا سيمار، إحدى الضحايا، خضعت لعملية جراحية للظهر في عام 2017 وتوقفت عن العمل أثناء العملية. وصفت حالتها قائلة: “جسدي كله يؤلمني، كأنني أعيش في جسد شخص مسن”.
إنكار متصلب وصمت عاطفي: رد فعل “طبيب الموت”
طوال فترة المحاكمة، تمسك فريدريك بيشييه بإنكاره التام للتهم الموجهة إليه، مدعيًا ببراءة ساحقة. قال بشكل قاطع: “لم أسمم أحدًا قط… أنا لست سامًا”.
إلا أن محامي الضحايا وصفوا سلوكه بأنه “خالٍ من المشاعر”، وأشاروا إلى افتقاره التام للتعاطف. لطالما أثار هذا التجاهل التام لمعاناة الضحايا استغراب المحكمة ووسائل الإعلام على حد سواء.
كشفت التحقيقات أيضًا عن خلفية اجتماعية مرفهة لبيشييه، حيث نشأ في أسرة محترمة وعاش في منزل فخم مع زوجته، وهي طبيبة قلب، وثلاثة أطفال قبل انفصالهما. هذا التناقض بين حياته الشخصية الظاهرة وأفعاله الإجرامية يزيد من تعقيد هذه القضية المروعة.
تداعيات القضية: ثقة مهزوزة في النظام الطبي
إن محاكمة وإدانة فريدريك بيشييه، أو طبيب الموت، كما أصبح يُعرف، أحدثت صدمة كبيرة في الأوساط الطبية والقضائية في فرنسا. السجن المؤبد الذي حُكم عليه يعكس خطورة أفعاله ويهدف إلى تحقيق العدالة لضحاياه وعائلاتهم.
تسلط هذه القضية الضوء على أهمية الرقابة المشددة على ممارسات الأطباء وضرورة وجود آليات فعالة للكشف عن أي سلوك غير أخلاقي أو إجرامي. كما تؤكد على أهمية تعزيز الثقة بين المرضى وأطبائهم، وهي ثقة تمثل أساس العلاقة العلاجية. التهاون في هذا الأمر قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على صحة وسلامة المرضى. تعتبر هذه القضية بمثابة تذكير مؤلم بأن خيانة الأمانة الطبية هي جريمة لا يمكن التسامح معها. وسيظل اسم فريدريك بيشييه مرتبطًا بهذه المأساة لسنوات طويلة قادمة. إضافة إلى ذلك، فإن قضية تسميم المرضى هذه تثير نقاشات حول الصحة النفسية للممارسين الطبيين وضرورة دعمهم.















