كانت إدلب قبل سنوات رمزًا للانتفاضة ضد حكم الأسد، وأحد أبرز معاقل المعارضة المسلحة، لكنها تتحول اليوم إلى مركز تجاري نشط يجذب السوريين من مختلف مناطق البلاد

اعلان

آلاف الزوار الذين اعتادوا العيش في ظل النظام السوري السابق يتوافدون يوميًا إلى المدينة، حاملين معهم تصورات مسبقة عن واقعها، ليجدوا أنفسهم أمام مشهد مختلف تمامًا، حيث تزدهر المراكز التجارية الحديثة وتتوفر خدمات لم تكن متوقعة بالنسبة للكثيرين.

إدلب في عيون الزوار

تنطلق يوميًا حافلات من حمص ودمشق باتجاه إدلب، تحمل معها سوريين جاؤوا بدافع الفضول أو البحث عن تجربة تسوّق جديدة. تقول إحدى السيدات: “جئنا إلى هنا للاستمتاع بالمحال التجارية والأجواء. طوال 14 عامًا لم يكن بإمكاننا القدوم، وكنا نسمع فقط أخبار الحرب، لكننا الآن نرى تطورًا يفوق ما شهدناه حتى في حلب“.

وتحدثت زائرة أخرى عن تصورها السابق لإدلب فتقول: “هذه زيارتي الأولى، نحن قررنا البقاء هنا لليلة. كانوا يحذّروننا من أجواء متشددة وقيود صارمة على المظهر واللباس، اعتقدنا أن هذا المكان غير صالح للحياة الطبيعية. لكن الواقع مختلف تمامًا”.

“كأننا في دبي”

يشير بعض العاملين في مجال تنظيم الرحلات السياحية إلى الإقبال المتزايد على زيارة إدلب، حيث وصفت سيدة تشرف على مثل هذه الجولات التغيير بالقول: “أنظم رحلات يومية إلى هنا، ننطلق صباحًا ونعود ليلًا. عندما فُتح الطريق، اكتشفنا أشياء لم تكن متاحة لنا. في مناطقنا، لا يوجد سوى متاجر صغيرة، بينما هنا تشعر وكأنك في مراكز تسوّق كبرى مثل دبي أو الإمارات”.

أما مدير أحد المراكز التجارية في المدينة، فيؤكد أن ما تشهده إدلب اليوم لم يكن ممكنًا في ظل النظام السابق، مضيفًا: “كنا نواجه قيودًا عديدة، لكن السوريين شعب مثابر. لم يتوقف عملنا حتى أثناء القصف في الحرب، واليوم نرى ثمرة جهودنا”.

مستقبل جديد لسوريا

يعبّر الزوار القادمون إلى إدلب عن دهشتهم إزاء مستوى التطور الذي شهدته المدينة، بعد سنوات من العزلة. وأكد أحد المتسوقين، الذي زار المدينة للمرة الأولى، أنه لم يكن يتوقع هذا التحول، قائلاً: “لم تكن لدينا أي فكرة عن حقيقة الوضع هنا، كنا نسمع أنها مدينة بدائية وغير متطورة، لكن الواقع مختلف تمامًا”.

وأضاف: ” لم نكن نتوقع أن تصل التكنولوجيا والبنية الحديثة إلى هذا المستوى في سوريا”. وقال إنّ زيارته غيّرت نظرته لما يمكن أن يكون عليه مستقبل البلاد، موضحًا: “هناك شعور جديد، شيء مختلف تمامًا عما كان عليه الوضع في ظل حكم بشار الأسد. نأمل أن يكون كل شيء أفضل”.

وعلى مدار عقود، عانت إدلب من إهمال شديد في ظل حكم عائلة الأسد، فلم تحظَ بمشاريع تنموية فعلية، وظلت بنيتها التحتية تعاني من تراجع مستمر. ومع اندلاع الثورة السورية، واجهت المدينة إجراءات عقابية صارمة، إذ تم فصلها عن شبكة الكهرباء والاتصالات، ما زاد من عزلة سكانها وفاقم معاناتهم.

كما أدى القصور في دعم القطاع التعليمي في ريف إدلب إلى تدهور مستواه، مما انعكس سلبًا على الأجيال الناشئة. 

وقد دفعت إدلب ثمناً باهظاً، إذ تعرضت العديد من قرى المحافظة للدمار الكامل، بينما وجد عشرات الآلاف من النازحين أنفسهم مجبرين على العيش في مخيمات تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية. وساهم في تعقيد أوضاع السكان وإطالة أمد معاناتهم وجودُ الجماعات المسلحة التي صُنفت في خانة التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام النصرة سابقا التي كان يرأسها أبو محمد الجولاني المعروف حاليا باسم أحمد الشرع والذي أصبح رئيسا انتقاليا لسوريا بعد سقوط الأسد.

لكنّ الزوار يشهدون اليوم بأن المدينة تجاوزت صورة الحرب لتقدم نموذجًا جديدًا لاقتصاد ناشئ في سوريا، قد يرسم ملامح مستقبل مختلف عن الماضي، ويفتح آفاقًا جديدة للتجارة والاستثمار.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.