بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

بعد عامين من اندلاع الحرب في قطاع غزة، عادت صحيفة نيويورك تايمز لتتبع مصائر أكثر من 700 فلسطيني كانت قد أجرت معهم مقابلات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ووجدت الصحيفة أن من بين نحو 100 شخص تمكّن مراسلوها من التواصل معهم مجددًا، لم ينجُ أحد من فقدان قريب أو صديق أو منزل أو مصدر رزق.

وأفاد التقرير، الذي نُشر هذا الأسبوع، بأن العديد من الأشخاص الذين حاولت الصحيفة الوصول إليهم لم يُجبوا عن الاتصالات. وتوقفت بعض أرقام الهواتف عن العمل، بينما فرّ آخرون من القطاع أو تأكد لاحقًا أنهم قُتلوا.

أسئلة بسيطة… وإجابات مفقودة

في محاولة لقياس البُعد الإنساني للحرب، عاد فريق الصحيفة الأمريكية إلى غزة ليستفسر من هؤلاء الأشخاص عن مصيرهم: هل ما زالوا على قيد الحياة؟ هل عثروا على أقاربهم المفقودين؟ هل لا تزال منازلهم قائمة؟ وهل تمكنوا من دفن موتاهم؟.

الإجابات لم تكن دائمًا ممكنة. بعض أرقام الهواتف توقفت عن العمل. آخرون فرّوا من القطاع، أو لم يبقَ منهم أحد. وعلمت الصحيفة لاحقًا أن عدداً منهم قُتلوا.

أشار مراسلو الصحيفة إلى أن كل من تمكنوا من مقابلتهم عانوا من خسائر جسيمة. وروى كثيرون قصصًا عن فقدان أفراد من عائلاتهم، وتدمير منازلهم، ونزوحهم المتكرر — في بعض الحالات أكثر من 25 مرة — بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.

الشهادات التي جمعتها “نيويورك تايمز” كشفت واقعًا قاسٍ: جوع ينهش الأجساد، وأطفال يبكون طلبًا للخبز، وأيام تمر دون طعام. كثيرون فقدوا عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم.

وقال تامر حمدة، الذي التقت به الصحيفة في أكتوبر 2024، إنه فقد 29 كيلوجرامًا من وزنه. كما أفاد آخرون بأنهم مروا بأيام دون طعام رغم محاولاتهم المستمرة للحصول عليه.

وذكر الدكتور بكر جودة، الذي قابلته الصحيفة في نوفمبر 2023، أن سعر الخيمة في غزة وصل إلى ألف دولار، بينما يُباع الماء المالح بثمن.

ليتنا دُفنا معهما

من بين القصص التي وثّقتها الصحيفة، قصة سمر الجاجة (32 عامًا)، التي تولّت رعاية أبناء إخوتها الأربعة بعد أن قُتل والداهم وأختهم الرضيعة في غارة جوية. 

عندما عاد مراسلو “نيويورك تايمز” إلى منزل العائلة هذا العام، وجدوا أن الغرفة الوحيدة التي لا تزال قائمة هي غرفة الوالدين. لم يكن أحد بداخلها. وقف الجميع صامتين. وقال الأطفال لسمر، والحزن يعتصرهم: “ليتنا دُفنا معهما”.

 لم يتمكنوا من الحداد كما يليق. حتى الحلويات التي يوزّعها الغزيون تقليديًا في ذكرى الوفاة باتت باهظة الثمن بسبب ارتفاع أسعار الطحين والسكر. ولم يعرفوا مكان قبور ذويهم. تقول سمر: “حتى هذا الختام سُلب منا”.

نزحت سمر وأبناء إخوتها إلى حي آخر، ثم فرّوا جنوبًا، دافعين نحو 4 آلاف دولار لسائق شاحنة لنقل نصف ممتلكاتهم. بعد رحلة استمرت 14 ساعة، انتهى بهم المطاف في نفس المخيم الخيري الذي عاشوا فيه العام الماضي، لكن هذه المرة، لم يكن لديهم حتى خيمة.  

لمّة عائلة… بلا سيلا

ووثّقت الصحيفة أيضًا قصة حمّام ملاكة وزوجته ناجية. تقطعت بينهما السبل لأشهر طويلة بعد أن مزّقت القوات الإسرائيلية أوصال القطاع. وحين جمعتهما هدنة قصيرة في يناير/كانون الثاني الماضي، كانت ابنتهما “سيلا” (3 أعوام) قد قتلت أثناء فترة الافتراق. 

وكان حمّام عالقًا في الجنوب مع طفليه يامن (6 أعوام) وساندي (4 أعوام)، بينما بقيت ناجية في الشمال مع سيلا وأشرف الرضيع ومحمد المولود الجديد. 

يروي حمّام لمراسلي الصحيفة كيف التقاها عند الحدود الفاصلة بين شمال غزة وجنوبها: “أضأت مصباح هاتفي نوكيا القديم وبدأت أصرخ في الظلام: ‘أشرف! محمد!’، على أمل أن تسمعني وتجدني بسهولة أكبر”. 

ويضيف: “ركضت نحوهم واحتضنت ناجية واحتضنت أطفالنا بكل ما أملك من قوة”. 

لكن سيلا لم تكن هناك. وبعد لمّ الشمل، عادت العائلة إلى منزلها في مدينة غزة، لكنها أُجبرت لاحقًا على الفرار جنوبًا مرة أخرى. 

تجربة لا تختزل الألم

وتشير “نيويورك تايمز” في تقريرها إلى أن “تجربة واحدة لا يمكن أن تختزل تمامًا ألم غزة، أو الإبادة شبه الكاملة لمجتمع ومكان”. 

ويؤكد الناجون الذين تحدثت إليهم الصحيفة خلال العامين الماضيين أنهم يعيشون في خوفٍ دائم من الغارة الجوية التالية، ورعبٍ من الغد، وذكرياتٍ لا تُمحى عن اللحظة الأولى التي فرّوا فيها من منازلهم، أو نصبوا فيها خيمة مؤقتة.

شاركها.
اترك تعليقاً