في ظل استمرار الصراع الروسي الأوكراني، تلوح في الأفق مبادرة سلام جديدة، حيث أعلنت روسيا عن تلقيها النسخة النهائية لمسودة خطة السلام التي تم التوصل إليها خلال مفاوضات جنيف. هذه الخطة، التي تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، تثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق تسوية مقبولة للطرفين، وتضع في الاعتبار الشروط المتبادلة والخطوط الحمراء لكل من موسكو وكييف. هذا المقال يتناول تفاصيل هذه الخطة، ومواقف الأطراف المعنية، والتحديات التي تواجه عملية السلام، مع التركيز على خطة السلام الأوكرانية ومستقبل المفاوضات.
روسيا تتلقى مسودة خطة السلام وتبدأ تقييمها
أكد الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أن روسيا قد تلقت من الولايات المتحدة النسخة النهائية لمسودة خطة السلام، وأن موسكو ستبدأ الأسبوع المقبل مفاوضات موسعة حولها. الهدف من هذه المفاوضات هو تحديد الفروقات المتعلقة بالاعتراف الدولي بقرارات عملية التسوية في أوكرانيا. بيسكوف أشار إلى أن الجميع يفضل التوصل إلى تسوية سلمية، لكنه انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، متهماً إياه بمواجهة “مشكلة تتعلق بشرعيته وعدم رغبته في إجراء انتخابات داخل أوكرانيا والالتزام بالدستور”.
موقف كييف الرافض للتنازل عن الأراضي
في المقابل، يشدد الجانب الأوكراني على رفضه القاطع للتنازل عن أي أراضٍ لروسيا مقابل السلام. أندريه يرماك، مدير مكتب زيلينسكي وكبير المفاوضين الأوكرانيين، أكد أن أي اتفاق على التخلي عن الأراضي يعد مخالفاً للدستور، وأن الخطوة الواقعية الوحيدة حالياً هي تحديد خط التماس بين الطرفين. كما وصف المقترح الذي تم التوصل إليه في مفاوضات أبو ظبي بأنه “لا يتعارض مع مصالح أوكرانيا ويراعي خطوطها الحمراء”. الخلاف حول الأراضي يمثل عقبة رئيسية أمام أي تقدم في المفاوضات الروسية الأوكرانية.
شروط بوتين للتهدئة وغموض المناطق المتنازع عليها
خلال قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) في بيشكيك، وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروطاً للتهدئة، مؤكداً أن موسكو مستعدة لوقف العمليات العسكرية فور انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق التي تطالب بها روسيا في الشرق. بوتين لم يحدد بدقة ما إذا كان يشير فقط إلى منطقتي دونيتسك ولوغانسك، أم يشمل أيضاً منطقتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب، مما يثير مزيداً من الغموض حول نطاق المطالب الروسية.
تقييم روسي لخطة السلام الأميركية
أشار بوتين إلى أن مسودة خطة السلام الأميركية تعكس بعض المواقف الروسية، لكنها بحاجة إلى إعادة صياغة بلغة دبلوماسية واضحة. كما أكد أن وفداً أميركياً سيزور موسكو الأسبوع المقبل لاستكمال المباحثات، مشيراً إلى أن كل بند من بنود المقترح يحتاج إلى جلسة نقاش جادة. بوتين اعتبر القيادة الأوكرانية الحالية “لا يمكن الوثوق بها” لتوقيع أي وثائق ملزمة، معتبراً أنها ارتكبت “خطأً استراتيجياً” بسبب مخاوفها من الانتخابات الرئاسية.
تصعيد عسكري ميداني بالتزامن مع الجهود الدبلوماسية
على الرغم من الجهود الدبلوماسية الجارية، يستمر التوتر العسكري على الأرض. وزارة الدفاع الروسية أعلنت عن إسقاط 136 طائرة مسيرة أوكرانية فوق الأراضي الروسية خلال الليل، بينما أعلن الجيش الأوكراني عن قصف مصفاة ساراتوف النفطية الروسية وقاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرم. هذه الهجمات المتبادلة تعكس استمرار التصعيد العسكري بين الطرفين، وتشكل تحدياً إضافياً أمام عملية السلام. هذا التصعيد يضع ضغوطاً إضافية على عملية السلام في أوكرانيا.
مستقبل المفاوضات والتحديات القائمة
مستقبل المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يبدو غير واضح. الخلافات حول الأراضي، ومسألة شرعية القيادة الأوكرانية، والتصعيد العسكري المستمر، كلها عوامل تعيق تحقيق تسوية سلمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدخل الأطراف الخارجية، مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا، يلعب دوراً مهماً في تشكيل مسار المفاوضات.
الوصول إلى حل دائم يتطلب تنازلات من كلا الطرفين، وثقة متبادلة، والتزاماً دولياً بضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه. في الوقت الحالي، يبدو أن التحديات التي تواجه عملية السلام كبيرة، ولكن استمرار الحوار والمفاوضات يظل أمراً ضرورياً لتجنب المزيد من الخسائر والمعاناة. النجاح في تحقيق تسوية سياسية في أوكرانيا يتطلب جهوداً مكثفة من جميع الأطراف المعنية.
في الختام، تظل خطة السلام الأوكرانية قيد التقييم والمناقشة، وتواجه تحديات كبيرة. المفاوضات القادمة بين روسيا والولايات المتحدة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان من الممكن تحقيق تقدم نحو إنهاء الصراع، أم أن الوضع سيستمر في التصاعد. نأمل أن تؤدي هذه الجهود إلى تحقيق سلام دائم ومستقر في أوكرانيا.















