باريس- في تصريحات جديدة أدلى بها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أول أمس الأربعاء، أكد أن بلاده لن تقدم “شيكا مفتوحا” للنظام السوري الجديد، وستحكم على السلطات الانتقالية السورية “بناء على أفعالها”.

وفي الوقت الذي تَركز فيه الحديث عن البروتوكولات الدبلوماسية بعد رفض الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في دمشق، نقلت بيربوك رسالة برلين التي مفادها عدم تقديم الدعم المالي للهياكل الإسلامية.

ومن الواضح أن الزيارة التي قامت بها ألمانيا وفرنسا -الركيزتان الأساسيتان للاتحاد الأوروبي– هدفت إلى عكس الموقف الأوروبي “المراقب” للأوضاع في سوريا وتحديد شكل الدعم الاقتصادي والسياسي الذي سيبقى معلقا ومرتبطا بما ستقوم به الحكومة الانتقالية في المستقبل.

دعم مشروط

ومن منظور المصالح الألمانية والاتحاد الأوروبي، يعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد في برلين أولريك بروكنر أن هذه الزيارة “فرصة ممكنة لإقامة علاقة جديدة لم تكن متاحة من قبل مع نظام الأسد، وهناك عدد من الأسباب الوجيهة التي تجعل من بداية فصل جديد من العلاقات أولوية قصوى”.

وأضاف بروكنر في حديث للجزيرة نت “ستضع الدول الأوروبية قواعد أكثر صرامة لأن الرسالة الأولى كانت محلية مفادها أننا ندافع عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، ومن ناحية أخرى -بغض النظر عمن هو في السلطة حاليا في سوريا- فهو يقف على أنقاض نظام قديم وسيحتاج إلى البدء من الصفر، وهو أمر صعب للغاية ويتطلب الكثير من الوقت”.

وفي إشارة واضحة إلى هيئة تحرير الشام المدرجة في قائمة الكيانات الإرهابية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الذي يستهدف الأفراد والمنظمات المرتبطة بتنظيم القاعدة، صرحت وزيرة الخارجية الألمانية “نحن نعرف من أين تأتي هيئة تحرير الشام أيديولوجيا، وماذا فعلت في الماضي. لكننا نسمع ونرى أيضا الرغبة في الاعتدال والتفاهم مع الجهات الفاعلة المهمة الأخرى”.

من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “شيلر” توماس غينولي أن فرنسا تجعل دعمها مشروطا بالانتقال السياسي الشامل ومكافحة الإرهاب وتدمير الأسلحة الكيميائية، فضلا عن حقوق الإنسان وحماية الأقليات، لكنها في الوقت ذاته لم تشترط أن يكون النظام الجديد ديمقراطيا.

وفي حديث للجزيرة نت، قال غينولي إن باريس تدعم التعاون بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والنظام السوري الجديد، واصفا هذه الخطوة بـ”الالتزام الفرنسي البسيط للغاية” لأنها مسألة تتطلب الكثير من الجهود ويستغرق تحقيقها على أرض الواقع وقتا طويلا.

مفارقات

وقد يكون من عجيب المفارقات التي تخللت هذه الزيارة، استغلال وزير الخارجية الفرنسي بارو زيارته إلى دمشق للقاء ممثلي المجتمع المسيحي والإعراب عن التزام بلاده الثابت بالدفاع عنهم، رغم أنها تتغنى دائما بمفاهيم العلمانية التي تتجاوز الانتماءات الدينية أو العرقية.

واعتبر أولريك بروكنر أنه في حالة وجود أرضية مشتركة، فسيكون ذلك مثاليا لتقليص نفوذ روسيا في المنطقة، وأيضا لأغراض إنسانية إذ تستضيف ألمانيا ما يقرب من مليون شخص من أصل سوري، وقد يقرر عدد كبير منهم العودة إلى وطنهم.

وداخليا، سيجعل ذلك من الصعب على الشعبويين الألمان والقوى المعادية للأجانب كسب الدعم قبل الانتخابات، بحسب رأي المتحدث ذاته.

وفيما يتعلق بملف الهجرة واللجوء، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر عن ضرورة إخضاع اللاجئين لعملية فحص إذا كانت الشروط التي يحصلون بموجبها على الدعم من نظام الرعاية الاجتماعية الألماني لا تزال مستوفاة وإعادة كل من ارتكب جريمة أو يعتبر خطرا إلى سوريا، وهو ما لم يكن بوسع ألمانيا فعله قبل سقوط نظام الأسد.

وفي هذا السياق، أكد بروكنر أن وضع الحماية لبعض اللاجئين السوريين يجب أن يكون قائما على أساس إنساني، وقال “في ألمانيا ليس لدينا الموارد البيروقراطية للتحقق من كل حالة على حدة في غضون فترة زمنية قصيرة”، مشيرا إلى أن ذلك “مجرد ذريعة لتغطية نقاش يميني حول ضرورة ترحيل اللاجئين بأي طريقة”.

وجدير بالذكر أن ألمانيا قررت وقف طلبات اللجوء المقدمة من السوريين بعد أيام قليلة من فرار بشار الأسد إلى روسيا وسيطرة قوات المعارضة على دمشق، ويُعتقد أن هذا القرار شمل ما يصل إلى 47 ألف لاجئ.

رفع العقوبات

وقد أكد بارو، أمس الأول الأربعاء، أن بعض العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الاتحاد الأوروبي قد “ترفع سريعا”.

وقال في حديثه لإذاعة “فرانس إنتر” الأربعاء “ليس هناك أي نية لرفع العقوبات التي تستهدف بشار الأسد وجلادي نظامه، لكن هناك عقوبات أخرى تعيق اليوم وصول المساعدات الإنسانية وتمنع تعافي البلاد، ويمكن رفعها بسرعة”.

وأضاف الوزير الفرنسي أن الاتحاد الأوروبي قد يتخذ قرارا مماثلا قريبا دون تحديد موعد معين.

وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي غينولي أن دعم فرنسا لرفع العقوبات سيعتمد على الإجراءات الملموسة التي يتخذها القادة السوريون الجدد ومدى امتثالهم للتوقعات الفرنسية.

وبالنسبة للتمثيل الدبلوماسي في العاصمة دمشق، أوضح المتحدث أن السفارة الفرنسية لا تزال مغلقة، لكن وزارة الخارجية الفرنسية تدرس إعادة فتحها تدريجيا اعتمادا على مستوى الأمن في العاصمة السورية.

بدوره، يعتقد الأكاديمي الألماني بروكنر أن “تدمير الأسلحة الكيميائية السورية ورفع العقوبات أمران مهمان جدا، لكن الدول الغربية ستتحرك استنادا على حكمها بين أفعال وأقوال الزعيم السوري الجديد، سواء احتفظ بزي الملتزم بالشريعة الإسلامية أو فضل ارتداء بدلة رسمية للتظاهر بأنه زعيم من النوع الغربي”.

ومن المتوقع أن تناقش دول الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة، رفع بعض العقوبات عن سوريا خلال اجتماع وزراء خارجياتها يوم 27 يناير/كانون الثاني الجاري في بروكسل.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.