في خضم الأحداث المأساوية التي تشهدها غزة، تتصاعد الأصوات من داخل القطاع، أصوات تدوّن لحظات الانهيار، والأمل الضئيل، والوجع الذي لا يوصف. هذه اليوميات ليست مجرد سجل للأحداث، بل هي شهادة على صمود شعب يواجه الموت بكل أشكاله، وتكشف عن حقائق أعمق مما تستطيع عدسة الكاميرا التقاطه. تتساءل الكاتبة بسمة جلال، وغيرها من المثقفين والصحفيين، عن معنى الحياة والموت في ظل هذه الظروف الاستثنائية، وتوثق قصصًا إنسانية مروعة تتجاوز حدود الوصف. يوميات غزة هي مرآة تعكس واقعًا موازيًا، واقعًا من الألم والمعاناة والتحدي.

قصص من قلب المعاناة: ما دوّنه الكُتّاب في يومياتهم

تتوقف بسمة جلال عند قصة طفل غزاوي استبدل قدمه المبتورة بأنبوب صرف، في مشهد يجسد قسوة الحياة وعبثية الحرب. هذا المشهد، الذي يمثل جزءًا من “أكبر مسلخ بشري في العالم” كما تصفه، يثير تساؤلات حول الإنسانية والكرامة. وتتابع الكاتبة بوصف معاناة طفلة أخرى تعاني من تشوه في رأسها، تنتظر بصبر يائس فرصة للعلاج، مع علمها بأن الوقت ينفد مع كل دقيقة. فالعظام المخزنة في ثلاجة مشفى ناصر الطبي، لا تدوم طويلاً، ومناشداتهم للعالم قد لا تجد آذانًا صاغية.

الصحفي مهند قشطة يضيف إلى هذا المشهد المأساوي حكاية عائلة مكونة من خمسة أفراد، وجدوا أنفسهم بلا مأوى سوى الشارع الترابي. في غفلة من النوم، دهستهم سيارة متهالكة، فاقدة للفرامل والأضواء، لتزيد من قائمة الضحايا. صور أخرى تظهر، كصورة طفلين يجلسان على دراجة حديدية مهترئة، يرافقهم والدهما الذي يبدو وكأنه يحمل عبء الدنيا على كتفيه.

“هل يكبر الإنسان عمرين فوق عمره؟” – تأملات في مواجهة الموت

تتكرر عبارة “وأنتم تضعون رؤوسكم على الوسائد…” في يوميات بسمة، كرسالة موجهة إلى العالم، تذكرة بأن هناك شعبًا كاملاً يعيش في العراء، محرومًا من أبسط حقوقه. هذه الرسالة تلامس أعماق الضمير، وتدعو إلى التفكير في حجم المأساة التي يعيشها أهل غزة.

يتساءل الكاتب والمفكر، عن جدوى المعرفة في مواجهة الموت المحتم: “لِمَ قرأت كل هذه الكتب إن كانت ستموت في رأسي عند أقرب شظية؟”. هذا السؤال يعكس حالة الإحباط واليأس التي يعيشها المثقفون في غزة، الذين يشعرون بأن جهودهم تذهب سدى في ظل هذه الظروف القاسية. ويضيف كاتب آخر بسخرية لاذعة: “لمَ نحر الخراف فداء لأرواحنا إن كنا سنموت بهذا العبث؟”.

الدكتور سعيد محمد الكحلوت، المختص في الصحة النفسية، يطرح سؤالاً أكثر عمقًا: “كيف يمر العالم على مشاهد موتنا كأنها مجرد خبر؟”. هذا السؤال يكشف عن الشعور بالعزلة واللامبالاة الذي يعاني منه أهل غزة، الذين يشعرون بأن العالم قد تخلى عنهم. ويصف حالة الذل التي يعيشونها، حيث تضطر النساء لقضاء حاجاتهن في الشارع، تحت السيارات أو بجانب الحجارة.

الجوع والنزوح: تفاصيل القيامة التي لا يراها العالم

في مواجهة الموت المتكرر، يصف أحد النازحين كيف يواجه الموت وجهاً لوجه، وكيف يطلب الموت أحد أطفاله بصفاقة، وينتشله من أحضانه. هذا المشهد يجسد قسوة الحرب، والعجز التام أمام قوة الموت. ويختتم الكحلوت بتأمل عميق: “هل يكبر الإنسان فجأة عمرين فوق عمره؟ نعم حين يفقد أمه”.

الكاتبة نهيل مهنا توثق واقع الجوع المريع في غزة، قائلة: “الجوع في غزة ليس مجرد خرافة”. فبعد أن كانوا يقاتلون من أجل حريتهم ووجودهم، أصبحوا الآن يقاتلون من أجل قطعة خبز. وتصف كيف أنهم يضطرون لأكل علف الحيوانات لتجنب الانهيار جوعًا. وتسخر من تعاطف العالم الزائف، الذي يظهر في صور ومقاطع فيديو للأكلات الشهية على وسائل التواصل الاجتماعي. يوميات غزة تكشف عن المفارقات المؤلمة في هذا الواقع المأساوي.

“البيت هو الوطن” و “نزوح الروح”: كلمات تختصر المعاناة

يسري الغول، في يومياته، يصف كيف أن المفاضلة بين المصابين باتت أمرًا شبه عادي داخل المشافي. ويعبر عن خوفه الدائم من الغد، قائلاً: “اليوم نجوت ولكن ماذا عن الغد!”. ويضيف بمرارة: “لولا أنك خائف أن تقول الناس عنك مجنونا، لصرت تصرخ، وتصرخ، وتصرخ: إلى متى يا الله، هل تبصر حالنا؟”.

الشاعر أكرم الصوراني، بأسلوبه الشعبي العامي، يلخص المعنى الحقيقي للوطن في عبارة بسيطة: “البيت هو الوطن والوطن هو البيت وباقي الخريطة تفاصيل”. ويصف رحيله عن بيته مع عائلته وزوجته أماني، وكأنه يطرح رثاء للبيوت والحارات والأزقة.

الشاعر عثمان حسين يتساءل: “هل سأصحو غدا كعادتي محبطا ومهملا كنبي تراجعت عنه العباد؟”. بيسان عبد الرحيم تطرح سؤالاً أكثر إثارة للرعب: “من المخيف جدا أن تصل للحظة لا تخاف فيها من الموت”. وتختتم الكاتبة برسالة يائسة: “غادروا… وانسوا طراوة لحمنا تحت كل مدفعية!”. يوميات غزة هي صرخة مدوية في وجه العالم، تذكرنا بأن هناك شعبًا يواجه الموت بكل شجاعة وصمود.

هذه يوميات غزة ليست مجرد توثيق للأحداث، بل هي دعوة للعمل، ومناشدة للضمير الإنساني، لإنقاذ شعب يواجه الإبادة. فلنستمع إلى هذه الأصوات، ولنقف إلى جانب أهل غزة، حتى يعودوا للحياة، ويستعيدوا كرامتهم وحقوقهم. شارك هذا المقال لزيادة الوعي حول ما يحدث في غزة، وادعموا المنظمات الإنسانية التي تعمل على تخفيف معاناة أهلها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version