أعلنت مؤسسة “تيلي فيلم”، الهيئة الفدرالية الكندية لدعم الإنتاج السينمائي، عن اختيار فيلم “الأشياء التي تقتلها” (The Things You Kill) لتمثيل كندا في فئة “أفضل فيلم دولي” في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2026. هذا الاختيار، الذي أُعلن في 21 نوفمبر 2025، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السينمائية الكندية، حيث أن الفيلم ناطق باللغة التركية، مما يطرح تساؤلات حول مفهوم الفيلم الكندي في عصر الإنتاج المشترك وعبر الحدود.

فيلم “الأشياء التي تقتلها”: قصة إثارة الجدل

“الأشياء التي تقتلها” من إخراج علي رضا خاتمي، المخرج الإيراني الكندي الصاعد، والذي يحمل الجنسية الكندية بالإضافة إلى أصوله الإيرانية. تدور أحداث الفيلم حول علي، أستاذ جامعي تركي يعود إلى وطنه مع زوجته بعد سنوات من الغربة، ليجد والدته مريضة في ظروف معيشية صعبة. بعد وفاة الأم في ظروف غامضة، يبدأ علي في الشك في إهمال أو سوء معاملة والده لها. تتصاعد الضغوطات الشخصية والمهنية، مما يدفعه إلى البحث عن عزلة في قطعة أرض يملكها، حيث يوظف عاملاً يدعى رضا.

تتطور العلاقة بين علي ورضا بشكل خطير، حيث تتحول إلى علاقة قائمة على السيطرة والعنف. يستدرج علي رضا إلى دائرة انتقام مظلمة، وكأنه يبحث عن كبش فداء لموت الأم، حتى لو كان هذا الكبش مجرد وهم أو جرح قديم. ومع تصاعد الصراعات العائلية، يكتشف علي أنه لم يعد مجرد ضحية، بل يتحول تدريجياً إلى تجسيد للعنف الذي حاول الهروب منه. الفيلم يقدم تأملاً مريراً في الذكورة، الذاكرة، وما نقتله في داخلنا أثناء محاولاتنا للهروب من الماضي.

معايير الترشيح والجدل حول الهوية السينمائية

وفقاً لقواعد الترشيح التي وضعتها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، يجب أن يكون للفيلم المقدم في فئة “أفضل فيلم دولي” ارتباط ببلد معين من خلال التمويل، المشاركة في الإنتاج، أو التوزيع. لا يشترط أن يكون الفيلم باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، أو أن يتم تصويره في ذلك البلد. في حالة “الأشياء التي تقتلها”، أكدت “تيلي فيلم” أن الفيلم حاز على دعم كندي في الإنتاج وأن مخرجه يحمل الجنسية الكندية، مما يجعله يستوفي المعايير المطلوبة لتمثيل كندا في الأوسكار.

هذا الاختيار يوسع التعريف التقليدي للفيلم الكندي، الذي كان يقتصر على الأفلام الناطقة بالإنجليزية أو الفرنسية أو المنتجة محلياً بشكل كامل، ليشمل الأعمال التي تنتج بشراكة دولية وتتحدث بلغات أخرى. هذا التوسع يفتح نقاشاً حول ماهية السينما الكندية في عالم الإنتاج المشترك.

كندا والتعددية الثقافية في السينما

يعكس هذا الاختيار رؤية كندا المعاصرة التي تحتفي بالتعددية الثقافية، وتؤكد أن السينما لا تقتصر على لغة أو قومية محددة. فالدولة التي لطالما عرفت بهويتها الفرنسية الإنجليزية المتعددة، اختارت فيلماً باللغة التركية من مخرج مهاجر لتمثيلها في أكبر منصة سينمائية عالمية. هذا يعكس انفتاحاً سياسياً على تقديم مساحات لصناع السينما من خلفيات غير تقليدية، وتأكيداً على أن الإنتاج الكندي يمكن أن يضم لغات ومشاهد وخلفيات لا تعكس كندا التقليدية.

يرى البعض أن هذا التوسع هو تطور طبيعي يحتفي بالمهاجرين والمنتجين العابرين، بينما يرى آخرون أن هناك خطرًا من أن يصبح الترشيح مجرد علم يُعلّق على إنتاج لا علاقة له بالمجتمع الكندي أو لغة الجماهير الكندية داخل البلاد.

تاريخ كندا في سباق الأوسكار

شاركت كندا بانتظام في سباق “أفضل فيلم دولي”. من بين أبرز الأفلام التي نالت ترشيحات: “تراجع الإمبراطورية الأميركية” (The Decline of the American Empire) 1968، للمخرج دينس أركاند، وفيلم “حرائق”(Incendies) 2010، للمخرج دينيس فيلنوف، وفيلم “ساحرة الحرب” (War Witch) 2012 للمخرج كيم نغوين.

غالبية الترشيحات الكندية السابقة جاءت من مقاطعة كيبيك وكانت ناطقة بالفرنسية، مما يجعل اختيار “الأشياء التي تقتلها” تحولاً لافتاً نحو تنويع الهوية السينمائية التي تمثل كندا. على الرغم من أن كندا لم تفز بالكثير من الجوائز في هذه الفئة مقارنة بدول أخرى، إلا أن صوتها السينمائي ظل حاضراً من خلال أفلام مميزة.

مستقبل السينما الكندية والإنتاج العالمي

اختيار الفيلم يمنح كندا موقعاً مميزاً في النقاش العالمي حول هويات السينما والمهاجرين والمشاركة الثقافية، ويجعل الأفلام الكندية تصبح فضاءً يعبر عن تنوع المجتمع الكندي ويحتضن أصواتاً غير نمطية. ومع ذلك، يواجه هذا التنوع تحديات، مثل صعوبة تماهي الجمهور الكندي المحلي مع فيلم لا يجري في كندا ولا يتحدث بلغتي الدولة.

تشهد صناعة السينما العالمية اتجاهاً متسارعاً نحو “القصص العالمية” التي لا تعتبر اللغة أو الدولة عائقاً. تبدو كندا، بهذا الاختيار، أنها تسعى إلى أن تكون لاعباً أكثر حضوراً في هذا المشهد، كمركز إنتاجي يمكنه استيعاب الفنانين عبر اللغات والثقافات.

إن اختيار المخرج علي رضا خاتمي ذي الأصول الإيرانية يعكس سياسة رسمية أوسع في كندا تروج للتنوع وإدماج الأصول والثقافات المتعددة داخل الفضاء الثقافي الوطني. ومع إدراج “الأشياء التي تقتلها” ضمن قائمة الترشيحات الرسمية للموسم القادم، فإن التحديات تبدأ حول ما إذا كان سيتم اختياره ضمن القوائم النهائية، وإذا تم ذلك، فكيف سيستقبل هذا التصعيد من قبل الأكاديمية والجمهور. هذا الاختيار يمثل اختباراً لفكرة التنوع، وإذا نجح الفيلم في الصعود ضمن سباق الأوسكار، فسيكتسب ذلك معنى أكبر، ليس فقط من حيث الجائزة، بل من حيث ما يمثله من بوابة إلى زمن جديد في الترشيحات الوطنية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version