في خطوة لافتة، قررت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر إعادة عرض المسلسل التاريخي الشهير “أم كلثوم”، إنتاج عام 1999، عبر القناة الأولى للتلفزيون الرسمي. يأتي هذا القرار في خضم جدل واسع النطاق أثاره الفيلم الجديد “الست” الذي يتناول سيرة كوكب الشرق، مما فُسر على نطاق واسع بأنه رد رسمي على الانتقادات الموجهة للفيلم. يهدف هذا الإجراء إلى إحياء ذكرى الفنانة الراحلة وتقديم صورة متكاملة عن حياتها ومسيرتها الفنية.
إعادة عرض مسلسل “أم كلثوم”: استجابة للجدل أم تزامن مع الذكرى؟
أكد رئيس الهيئة، أحمد المسلماني، أن القرار يأتي بالتزامن مع الذكرى الخمسين لرحيل سيدة الغناء العربي، مشددًا على أن أم كلثوم هي “رمز الوطنية والعروبة، وقمة الفن العربي التي لم يبلغها أحد”. ووصف المسلسل، الذي تلعب بطولته صابرين ويخرجه إنعام محمد علي، بأنه “تحفة درامية توثّق مسيرة كوكب الشرق بدقة ووقار”. هذا التصريح يعكس أهمية المسلسل في الذاكرة الجماعية المصرية والعربية، ويؤكد على مكانة أم كلثوم كأيقونة ثقافية.
“الست” و”أم كلثوم”: اختلاف الرؤى وتضارب الآراء
الفيلم الجديد “الست”، من بطولة منى زكي وإخراج مروان حامد، حقق حضورًا جماهيريًا ملحوظًا، لكنه لم يسلم من الانتقادات. بينما أشاد به البعض لـ “شجاعته في تقريب صورة الفنانة إلى الأجيال الجديدة”، رأى آخرون أنه “يبتعد عن الصورة التقليدية ويقع في مغالطات تاريخية”. هذا الاختلاف في الرؤى يعكس صعوبة تناول شخصية تاريخية بهذا الحجم والتعقيد، ويثير تساؤلات حول حدود الدراما التاريخية والمسؤولية الفنية.
مقارنة بين أداء صابرين ومنى زكي
شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة واسعة من التعليقات والمقارنات بين أداء صابرين في المسلسل ومنى زكي في الفيلم. المؤيدون للمسلسل وصفوا أداء صابرين بأنه الأقرب لشخصية أم كلثوم من حيث الملامح والعمق النفسي، معتبرين أن المسلسل أكثر دقة واحترامًا للإرث التاريخي.
في المقابل، دافع المؤيدون لفيلم “الست” عنه، واعتبروه عملاً فنياً حراً يقدم قراءة إنسانية جديدة لحياة الفنانة. وأشادوا بـ “جرأة” منى زكي في تجسيد الدور، ورأوا أنها نجحت في إظهار الجوانب الخفية من شخصية كوكب الشرق.
أصداء الجدل في الأوساط الفنية والنقدية
لم يقتصر الجدل على الجمهور، بل امتد إلى تصريحات شخصيات فنية بارزة. فقد انتقد الفنان محمد صبحي والكاتب سعيد علي الفيلم، معتبرين أنه لا يرقى إلى مستوى تاريخ أم كلثوم ومكانتها. بينما دافع آخرون عن الفيلم باعتباره رؤية فنية معاصرة تستحق التقدير.
تصريح أحمد مراد والاعتذار اللاحق
أثار تصريح الكاتب أحمد مراد بأن العمل عن سيدة الغناء العربي “أصعب من فيلم عن الرسول” موجة غضب عارمة، قبل أن يعتذر لاحقًا عن هذا التصريح الذي اعتبره البعض مسيئًا. هذه الحادثة تؤكد على حساسية الموضوع وأهمية احترام الرموز الدينية والتاريخية.
لماذا يعود مسلسل “أم كلثوم” الآن؟
إعادة بث مسلسل “أم كلثوم” في هذا التوقيت تحديدًا تحمل دلالات عميقة. فبالإضافة إلى تزامنها مع الذكرى الخمسين لرحيل الفنانة، يمكن اعتبارها محاولة لتقديم رؤية “موازية” لسيرة حياتها، بعد الجدل الذي أثاره الفيلم الجديد. المسلسل، الذي تميز بدقته التاريخية واحترامه للشخصية، قد يجد صدى أكبر لدى الجمهور الذي يبحث عن صورة “أكثر أصالة” لـ كوكب الشرق.
مستقبل الأعمال التي تتناول السير الذاتية
يثير هذا الجدل تساؤلات حول مستقبل الأعمال التي تتناول السير الذاتية لشخصيات تاريخية. فمن ناحية، هناك حاجة إلى تقديم هذه الشخصيات للأجيال الجديدة بطرق مبتكرة وجذابة. ومن ناحية أخرى، يجب الحفاظ على الدقة التاريخية واحترام الإرث الثقافي. تحقيق هذا التوازن يتطلب جهدًا فنيًا كبيرًا ومسؤولية اجتماعية عالية.
في الختام، إعادة عرض مسلسل “أم كلثوم” ليست مجرد حدث تلفزيوني، بل هي جزء من نقاش أوسع حول كيفية تمثيل التاريخ والفن في الأعمال الدرامية. سواء كنت من محبي المسلسل أو الفيلم، فإن هذه القصة تذكرنا بأهمية سيدة الغناء العربي ودورها الخالد في الثقافة العربية. ندعوكم لمتابعة المسلسل ومشاركة آرائكم حوله، ومقارنته بالفيلم الجديد، لنساهم جميعًا في إثراء هذا النقاش.


