في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، بدأت فرق الدفاع المدني اليوم السبت، مهمة مؤلمة ومعقدة: البحث عن جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين ما زالوا تحت الأنقاض. هذه الخطوة، التي طال انتظارها لأكثر من عامين، تأتي في أعقاب تفاهمات دولية برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتلبية لنداءات عائلات ضحايا الحرب التي بدأت في نوفمبر 2023. وعلى الرغم من أهمية هذه البداية، إلا أن حجم الدمار والنقص الحاد في المعدات يمثل تحديات كبيرة أمام الفرق التي تعمل لانتشال جثامين الشهداء في غزة.
المرحلة الأولى من عمليات البحث عن جثامين الشهداء في غزة
تعتبر عمليات البحث والانتشال هذه بمثابة إعادة فتح لجروح عميقة، حيث تنطوي على صعوبات لوجستية وتقنية ونفسية جمة. فقد توقف العمل في هذا المجال بشكل كامل منذ نوفمبر 2023، بسبب استهداف الاحتلال المتعمد للحفارات والآليات الثقيلة، مما أجبر فرق الدفاع المدني على الاكتفاء بتسجيل الشهداء تحت الأنقاض فقط.
تعقيدات العمل وظروفه المأساوية
كما صرح الرائد محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني، فإن التعامل مع هذا الملف يتميز بالتعقيد الشديد والحساسية العالية. المباني المدمرة غالبًا ما كانت مكتظة بالسكان، والعديد من الضحايا سقطوا دون سابق إنذار، تاركين جثامينهم مطمورة تحت الركام لفترة طويلة جدًا. بالإضافة إلى ذلك، يشكل وجود المخلفات المتفجرة وخزانات الوقود والأنابيب الغازية خطرًا دائمًا على حياة فرق الإنقاذ.
دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر والجهود الدولية
تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد جهود مضنية، من توفير حفار واحد فقط لبدء المرحلة الأولى من عمليات البحث. وبالرغم من أن هذه الخطوة تعتبر مهمة، إلا أنها لا تكفي على الإطلاق لمواجهة حجم الدمار الهائل المنتشر في قطاع غزة. وتأتي هذه الجهود في ظل نقص حاد في الموارد والآليات اللازمة لإنجاز هذه المهمة الإنسانية.
علاوة على ذلك، أبدت مؤسسات دولية أخرى، بما في ذلك جهات مصرية وقطرية وأممية، استعدادها للمشاركة في هذا المسار. وهذا التوسع في المشاركة الدولية يعتبر أمرًا حيويًا لتسريع وتيرة العمل وتخفيف العبء على فرق الدفاع المدني المحلية، وعلى عائلات الضحايا التي تنتظر بفارغ الصبر نبأ انتشال جثامين أحبائهم. ستساعد هذه الجهود في استعادة حقوق الشهداء في غزة وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للعائلات الثكلى.
التحديات التي تواجه عمليات استعادة الجثامين
الأمر لا يقتصر على نقص المعدات، فعمليات البحث والانتشال تواجه تحديات أخرى، أبرزها تحديد الأولويات في العمل بالحفار الوحيد المتاح. وقد أشار المتحدث باسم الدفاع المدني إلى أن تحديد مناطق معينة للعمل قد يثير مشكلات اجتماعية ونفسية، حيث تتساءل العائلات عن سبب إعطاء الأولوية لمناطق أخرى على حساب مناطقهم. لذا، هناك حاجة ملحة لتوسيع الجهود بشكل متوازن، مع مراعاة حساسية هذا الملف الإنساني.
كما أن التعرف على هويات الشهداء بعد انتشالهم يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة بعد مرور فترة طويلة على دفنهم تحت الأنقاض. يتطلب ذلك استخدام آليات دقيقة للتوثيق وإجراءات خاصة للتعرف على الضحايا، مع الحفاظ على كرامتهم وتسليم جثامينهم لعائلاتهم.
الحاجة الماسة إلى دعم دولي أكبر
أكد الرائد بصل على أن فرق الدفاع المدني تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 حفارًا لتحقيق تقدم ملموس في عمليات البحث والانتشال. فالعمل بحفار واحد يعيق الجهود ويجعلها بطيئة وغير مجدية بالنظر إلى حجم الركام وطبقات الخرسانة التي تغطي آلاف الشهداء. بمعنى آخر، يتطلب استعادة الذاكرة الإنسانية في غزة توفير المعدات والآليات اللازمة بشكل عاجل.
وبينما تركز الجهود الأولية على المنطقة الوسطى وجنوب القطاع، مع تخصيص ساعات محدودة للعمل في مدينة غزة، فإن مدينة غزة وشمالها هما الأكثر تضررًا والأشد حاجة إلى عمليات حفر مكثفة. تعتبر هذه المناطق بؤرًا للدمار، وتحتاج إلى تدخل عاجل لإخراج الجثامين المدفونة تحت الأنقاض.
نحو إنهاء الملف الإنساني العالق
إن إنهاء هذا الملف الإنساني المعقد يتطلب تحركًا دوليًا واسعًا، وتوفير المعدات اللازمة دون تأخير. يتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه شعب غزة، وأن يدعم فرق الدفاع المدني في مهمتها لإخراج جميع جثامين الشهداء ودفنها بكرامة، بعد انتظار مؤلم دام أكثر من عامين. إن هذه العملية ليست مجرد واجب إنساني، بل هي استحقاق للضحايا وعائلاتهم، وتأكيد على احترام كرامة الإنسان. هذه الخطوة ضرورية للمضي قدمًا نحو إعادة الإعمار وتحقيق السلام والاستقرار في قطاع غزة، وتذكير دائم بمأساة الشهداء في غزة.



