تونس تتجه نحو الانهيار؟.. هشام المشيشي يحذر من “عبث سياسي” ويدعو لتوافق وطني
في تصريحات نارية، حذر رئيس الحكومة التونسية الأسبق، هشام المشيشي، من وضع خطير تواجهه تونس، مؤكداً على قرب البلاد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. جاءت هذه التحذيرات خلال مقابلة مع “الجزيرة مباشر” من باريس، حيث ألقى المشيشي الضوء على سلسلة من المشاكل المتراكمة وغياب الرؤى والحلول المقنعة، داعياً إلى ضرورة تحقيق توافق وطني واسع بين القوى الديمقراطية لإنقاذ البلاد. وتأتي هذه التصريحات في ظل استمرار التحديات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها تونس منذ إجراءات 25 يوليو 2021.
تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس
وصف المشيشي المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تونس بأنها “منهارة بالكامل”، مشيراً إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، وتفاقم مشكلة البطالة، خاصةً في صفوف الشباب، بالإضافة إلى غياب أي معالجات حقيقية للأزمات البيئية التي تزداد حدة. وأضاف أن المشكلة لا تقتصر على وجود الأزمات، بل أيضاً في غياب المؤسسات القادرة على إدارة الدولة وتقديم حلول عملية لمواجهة هذه التحديات المعقدة.
واعتبر أن استمرار الوضع الحالي دون تحقيق توافق سياسي شامل سيؤدي إلى نتائج وخيمة، مؤكداً أن تونس قد تكون بالفعل على حافة الانهيار، إن لم تكن قد دخلته فعلاً، في ظل حكم فردي لا يعترف بالتعددية السياسية ولا بأهمية المؤسسات الفاعلة. هذا الوضع يثير قلقاً واسعاً لدى العديد من المراقبين حول مستقبل الاستقرار في تونس.
إجهاض المسار الديمقراطي بعد ثورة 2011
لم يتردد المشيشي في وصف ما حدث في 25 يوليو 2021 بأنه “انقلاب مكتمل الأركان”، مؤكداً على أن هذه الإجراءات قامت بإجهاض التجربة الديمقراطية التي انطلقت بعد ثورة 2011. وأوضح أن هذه الخطوات أعادت تونس إلى ما قبل مفهوم الدولة الحديثة، ودمرت المكاسب السياسية والدستورية والقانونية التي تحققت بعد الثورة.
وأشار إلى أن استقالته من رئاسة الحكومة لم تكن اختيارية، بل جاءت نتيجة لما وصفه بـ “الوسائل الصلبة” التي استخدمها الرئيس قيس سعيد، بما في ذلك نشر الدبابات أمام المؤسسات السيادية وإغلاقها. وأفاد بأنه تعرض للاحتجاز داخل قصر قرطاج ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية في منزله لمدة تقارب الأربعة أشهر.
الإجراءات الدستورية المتنازع عليها
كشف المشيشي عن مواجهة مباشرة مع الرئيس سعيد في قصر قرطاج، حيث اعتبر الإجراءات التي كان يعتزم اتخاذها مخالفة للدستور. وأكد أن الدستور لا يمنح رئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان أو تعطيل عمل الحكومة أو اللجوء إلى القوة العسكرية لإغلاق المؤسسات. وصف رد فعل الرئيس بالـ “المتشنج والغاضب”، متضمناً عبارات عن “الدماء والمؤامرات”.
استهداف المعارضين والمحاكمات الفلكلورية
أعرب المشيشي عن قلقه إزاء الملاحقات القضائية التي طالت السياسيين والمعارضين، ووصفها بأنها “فلكلورية” ولا تستند إلى أي وقائع أو أسس قانونية. وأوضح أن الهدف من هذه المحاكمات ليس تحقيق العدالة، بل إقصاء الشخصيات السياسية المؤثرة وإفراغ الساحة من أي معارضة محتملة.
وأشار إلى أنه خلال فترة الإقامة الجبرية تلقى استدعاءات أمنية في قضايا وصفها بأنها “مفبركة” وتهدف إلى إعداد ملفات قضائية لتصفية الخصوم السياسيين. وعلى الرغم من رفع الإقامة الجبرية لاحقاً، إلا أنه واجه أحكاماً قاسية تصل إلى عشرات السنين في قضايا تتعلق بـ “التآمر على أمن الدولة“.
رؤية المشيشي لإخراج تونس من الأزمة
أكد هشام المشيشي على أنه لم يدّع يوماً أنه مناضل أو من رموز الثورة، بل وصف نفسه بأنه “ابن الدولة” الذي عمل لأكثر من 25 عاماً في مؤسساتها. ونفى وجود أي علاقة تنظيمية أو سياسية له بحركة النهضة، موضحاً أنه عمل مع مختلف مكونات الطيف السياسي في إطار ما أفرزته الانتخابات.
وانتقد بشدة طريقة إدارة الرئيس سعيد للشأن العام، مؤكداً أنه “لا يستمع إلا إلى نفسه” ولا يؤمن بالحوار أو بالتنسيق السياسي، ولا يعترف بوجود أجسام وسيطة بين السلطة والمجتمع. واعتبر ذلك يشكل خطراً مباشراً على مؤسسات الدولة. وطالب بضرورة الاصطفاف الوطني الشامل لإنقاذ البلاد واستعادة المسار الديمقراطي، مشدداً على أن تونس تتطلب جهوداً مشتركة من جميع القوى المخلصة.
في الختام، عبّر المشيشي عن أسفه العميق للوضع الذي وصلت إليه تونس، حيث أن معظم النخبة السياسية، بغض النظر عن توجهاتها، إما في السجون أو في المنفى. وتساءل عن جدوى هذه القضايا المتعددة التي تُرفع على المعارضين، خاصةً مع العدد غير المسبوق من النساء السياسيات والناشطات الحقوقيات اللواتي تم سجنهن مؤخراً. إن مستقبل تونس، وفقاً للمشيشي، يعتمد على تحقيق توافق وطني سريع وإيجاد حلول جذرية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، وإعادة بناء الثقة في المؤسسات الديمقراطية.


