في صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأت فصلاً مؤلماً في تاريخ إسرائيل، وأصبحت نقطة تحول في مسيرة العديد من الشخصيات العسكرية والأمنية. أحد هؤلاء هو الضابط رومان غوفمان، الذي تجسدت فيه سريعاً ملامح إعادة هيكلة المنظومة الأمنية الإسرائيلية بعد هذا اليوم. هذه المقالة تتناول قصة غوفمان، الصعود اللافت من ضابط في الميدان إلى سكرتير عسكري لرئيس الوزراء، ثم إلى ترشيحه لقيادة جهاز الموساد، مع تحليل أوسع للغياب الملحوظ لعقيدة أمن قومي إسرائيلية رسمية، وتداعيات ذلك على التعيينات الأمنية العليا.
## صعود رومان غوفمان: من ساحة المعركة إلى قيادة الموساد
بعد تلقي تقارير عن تسلل مقاتلين من كتائب القسام إلى محيط سديروت، توجه رومان غوفمان، ضابط الجيش آنذاك، من منزله في أشدود جنوباً. الساعات الأولى من الهجوم كشفت عن ارتباك واضح في المنظومة الأمنية، وعن مواجهات متفرقة تفتقر إلى قيادة مركزية. قرب مفترق شعار هنيغف، انضم غوفمان إلى متطوعين من الشرطة، وشارك في اشتباكات مباشرة مع مسلحين من حماس، قبل أن يصاب بجروح خطيرة في الركبة. هذه الإصابة، والأحداث المروعة التي شهدها، جعلت اسمه يتصدر عناوين الأخبار، وأصبح فيما بعد رمزاً للتغييرات القادمة.
يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 سجل غوفمان كأعلى ضابط رتبة أصيب خلال الهجوم، لكن الإصابة لم تكن نهاية المطاف، بل كانت بداية رحلة صعود سريعة. فبعد فترة من التعافي، شغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وآخر التطورات تشير إلى ترشيحه لقيادة جهاز الموساد، وهو منصب سيجعله على رأس أهم جهاز استخباري في البلاد. هذا المسار يطرح تساؤلات حول معايير الاختيار، وتأثير السياسة على التعيينات الأمنية.
## غياب العقيدة الأمنية القومية الإسرائيلية
على الرغم من أن الأمن يشكل محوراً مركزياً في التجربة الإسرائيلية، إلا أنه بشكل مفاجئ لا توجد عقيدة أمن قومي رسمية تنظم علاقة إسرائيل بالحرب والسلام. لم تصدر إسرائيل حتى الآن إطاراً سياسياً معلناً يحدد حدود استخدام القوة وأولوياتها. صحيح أن ديفيد بن غوريون وضع مبادئ عامة للأمن القومي في الخمسينيات، لكنها ظلت إرشادات عملية أكثر من كونها عقيدة مكتوبة.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كُلفَّت لجنة ميريدور بصياغة عقيدة رسمية، لكن تقريرها لم يحظَ بالاعتماد السياسي اللازم. لاحقاً، أعد الجيش الإسرائيلي وثيقة تحدد أسلوب عمله وأهدافه، لكنها اقتصرت على الجانب العسكري ولم ترتقِ إلى مستوى عقيدة أمنية شاملة. وهذا الغياب يبرز أهمية التعيينات في المناصب الأمنية العليا، وباتت مؤشراً على التوجهات السياسية الأمنية المتوقعة.
## إعادة تشكيل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية مرحلة إعادة تشكيل جذرية، تمثلت في سلسلة من التغييرات المتلاحقة في قيادة المؤسسات الأكثر حساسية، في محاولة لإدارة تداعيات الإخفاق الأمني وتعزيز قبضة نتنياهو على عملية صنع القرار.
### سلسلة الاستقالات والإقالات
بدأ هذا المسار باستقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، ثم أزمة وزير الدفاع يسرائيل غالانت، والتي انتهت بإقالته وتعيين يسرائيل كاتس بدلاً منه. لاحقاً، قدم رئيس الأركان هرتسي هاليفي استقالته، وتبعه ضغط على رئيس جهاز الشاباك رونين بار، الذي اضطر لتقديم استقالته بعد نزاع قضائي حاد. وتم تعيين اللواء ديفيد زيني رئيساً للشاباك، على الرغم من قلة خبرته الاستخبارية، في خطوة تؤكد أولوية الاعتبارات السياسية.
### ترشيح رومان غوفمان لقيادة الموساد
بالتزامن مع هذه التغييرات، أعلن نتنياهو عن عزمه تعيين رومان غوفمان مديراً للموساد، بعد انتهاء فترة خدمة ديدي برنيع. هذا التعيين يمثل تحولاً كبيراً، حيث أن غوفمان يأتي من خلفية ميدانية، وشغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء. وهي سابقة تثير جدلاً حول معايير اختيار قيادة أهم جهاز استخباري في البلاد.
## دور السكرتير العسكري وأهمية الخلفية الأمنية
منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، على الرغم من أهميته الكبيرة، لا يحظى بالكثير من الأبحاث والدراسات. إلا أن الدور الذي يلعبه هذا الضابط في نقل المعلومات والتوجيهات بين رئيس الحكومة والقيادة العسكرية والأمنية، وإدارة الملفات الحساسة، يجعله شخصية ذات تأثير كبير.
يشغل السكرتير العسكري موقعاً محورياً في منظومة الحكم، ويعتبر حلقة الوصل بين رئيس الوزراء والأجهزة الأمنية. ويمنحه هذا الدور القدرة على التأثير في القرارات الأمنية، من خلال فرز المعلومات وتحديد ما يصل إلى رئيس الحكومة. كما أنه يشارك في إعداد جدول أعمال الحكومة والمجلس الوزاري المصغر، ويقدم رأيه في القضايا العملياتية.
إن خلفية رومان غوفمان العسكرية، وخبرته الميدانية، وشبكة علاقاته داخل المؤسسة الأمنية، بالإضافة إلى فترة عمله كسكرتير عسكري، قد مهدت الطريق لتولي قيادة الموساد. وهو يجسد التصور الجديد الذي يفضله نتنياهو، والذي يقوم على تعزيز الارتباط المباشر بين جهاز الموساد ومكتبه، وتقديم القدرة على التنفيذ والتكتم على الاعتبارات المهنية التقليدية.
## الخلاصة: تحولات استراتيجية في ظل غياب عقيدة أمنية
إن سلسلة التغييرات في المناصب الأمنية العليا في إسرائيل، وعلى رأسها ترشيح رومان غوفمان لقيادة الموساد، تعكس تحولات استراتيجية عميقة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. هذه التحولات تترافق مع غياب عقيدة أمن قومي إسرائيلية رسمية، مما يمنح التعيينات أهمية مضاعفة، ويجعلها مؤشراً على التوجهات السياسية الأمنية المتوقعة. من خلال اختيار شخصيات قريبة من رؤيته السياسية، يسعى نتنياهو إلى إعادة بناء دائرة صنع القرار الضيقة حوله، وتعزيز سيطرته على المنظومة الأمنية، بهدف التصدي لتداعيات الإخفاق الأمني والعبور إلى مرحلة جديدة. هذه التطورات تتطلب مراقبة دقيقة وتحليل عميق لفهم مستقبل الأمن الإسرائيلي وتأثيره على المنطقة.


