تونس تشهد تدهوراً حقوقياً واقتصادياً في ذكرى الثورة (الكلمة المفتاحية: تونس).

في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، ومناخ سياسي وحقوقي مقلق، يحيي التونسيون اليوم الأربعاء 17 ديسمبر/كانون الأول الذكرى الخامسة عشرة لثورتهم. هذه الذكرى تأتي هذا العام مختلفة، مثقلة بهموم ما بعد إعلان الرئيس قيس سعيد لتدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، وما تلاه من قرارات أثارت جدلاً واسعاً، بما في ذلك حلّ البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء واعتماد دستور جديد، وصولاً إلى الحكم بالمراسيم الرئاسية. وتفاقمت الأوضاع مع ما يُعرف بـ “قضية التآمر على أمن الدولة” والتي طالت عشرات المعارضين السياسيين، وحكم عليهم بأحكام سجنية طويلة، وهو ما اعتبره مراقبون مسيساً يهدف إلى تصفية الخصوم.

واقع تونس بعد خمس سنوات من الثورة: قمع وتدهور

لإلقاء الضوء على هذا الواقع المعقد، أجرى الصحفي سايمون سبيكمان-كوردال سلسلة مقابلات مع تونسيين من مختلف الخلفيات، بما في ذلك يسرى الغنوشي، ابنة رئيس حركة النهضة المعتقل راشد الغنوشي، لمعرفة تعليقهم على الوضع الحالي، والقيود المتزايدة على الحريات، واستشراف مستقبل البلاد.

يسرى الغنوشي أوضحت أن الإشكالات بدأت بعد فترة وجيزة من انتخاب الرئيس قيس سعيد عام 2019، حيث شرع في عرقلة عمل الحكومة والبرلمان، مما ساهم في تأزيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وأكدت أن هذه التصرفات كانت تمهيداً للانقلاب، معتبرة إعلان حالة الطوارئ بموجب الفصل 80 من الدستور خطوة غير دستورية. بالنسبة لراشد الغنوشي (84 عاماً)، والذي كان حينها رئيس مجلس النواب، فقد رفض هذه الإجراءات الاستثنائية، مما جعله هدفاً للقمع، خاصةً من خلال استخدام القضاء الذي فقد استقلاليته. نتيجة لذلك، صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 42 عاماً بتهم تتعلق بقضايا قديمة ذات دوافع سياسية.

وعبرت يسرى عن قلقها الشديد على صحة والدها داخل السجون، حيث يعاني من مشاكل صحية تتطلب رعاية مستمرة. لكنها أكدت على إصراره على تحمل تبعات الدفاع عن الديمقراطية في تونس.

استهداف المعارضين وقيود على حرية التعبير

رملة الدهماني، شقيقة المحامية سنية الدهماني، شاركت تفاصيل قضية أختها التي أُفرج عنها بكفالة مشروطة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بعد قضاء عام ونصف في السجن بتهمة “التهكم على الرئيس قيس سعيد”. أوضحت رملة أن سنية حوكمت بموجب المرسوم 54، الذي يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي وصفته بأنه أداة لإسكات المعارضة.

وأضافت أن مجرد إعلان سنية بأن “تونس لم تعد مكاناً جيداً للعيش” كان بمثابة جريمة في نظر السلطات. رملة، المقيمة حالياً في الخارج، عبّرت عن خوفها من العودة إلى تونس خشية الاعتقال بسبب آرائها السياسية، وأملت في تحرر البلاد من “السجن الكبير” الذي تعيشه.

المعتقلون السياسيون والملفات القضائية “الفارغة”

كوثر الفرجاني، ابنة المعتقل السياسي السيد الفرجاني، كشفت عن ظروف اعتقال والدها في فبراير/شباط 2023، بتهمة التخطيط لتوحيد المعارضة ضد ما وصفته بـ “نظام الانقلاب”. وأشارت إلى أن والدها كان قد عاد من المنفى بعد 2011، معبراً عن رغبته في البقاء في تونس رغم المخاطر.

كوثر أكدت أن الملفات القضائية لوالدها، كما هو الحال بالنسبة لبقية المعتقلين السياسيين، “فارغة”، مما دفع المحامين إلى مقاطعة جلسات المحاكمة. ووصفت ظروف السجن بالسيئة، حيث يشارك والدها زنزانة مكتظة تضم أكثر من 120 سجيناً، بينما لا تتسع إلا لـ 50 أو 60 شخصاً. كما أشارت إلى أن والدها يعاني من آثار التعذيب والسجن خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وتختتم كوثر حديثها بالتعبير عن يأسها من تغيير الوضع في القضاء، معتقدة أن نظام قيس سعيد لن يدوم بسبب تصاعد عدد الأعداء داخلياً وخارجياً.

هيومن رايتس ووتش: تراجع كبير في الحريات

بسام خواجة، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، أكد في مقابلته مع الصحفي سبيكمان-كوردال على وجود “حملة قمع واسعة” تتبعها المنظمة بعد إعلان التدابير الاستثنائية. وأضاف أن السلطات التونسية تستهدف جميع أشكال المعارضة والتعبير السياسي، وأن الرئيس سعيد قام بتركيز السلطة في يديه دون أي اعتبار للفصل بين السلطات.

وأعرب خواجة عن عدم ثقته في نزاهة المحاكمات التي تجري للمعتقلين، خاصةً مع إصدار أحكام سجنية طويلة الأمد. كما انتقد استخدام المحاكمات عبر الفيديو ومنع المعتقلين من الحضور شخصياً. وشدد على أن النظام قضى على استقلالية القضاء، وأن تونس التي كانت تعتبر “مهداً للربيع العربي” و “حصناً لحقوق الإنسان” قد شهدت تراجعاً كبيراً.

وختم خواجة حديثه بالقول، إن البلاد لم يعد يسمح فيها إلا “برواية واحدة” وهي الرواية التي يروج لها النظام الحاكم، مما يقضي على النقاش السياسي الجاد وحرية التعبير.

مستقبل تونس: هل من أمل؟

تشير هذه الشهادات والتحليلات إلى صورة قاتمة للوضع في تونس بعد خمس سنوات من الثورة، حيث تدهورت الحريات وتفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ولكن، يبقى الأمل معلقاً بإمكانية عودة الديمقراطية وسيادة القانون، وتحرير جميع المعتقلين السياسيين، وإعادة بناء الدولة على أسس من العدل والمساواة. يشجع هذا التقرير على المزيد من النقاش حول الوضع في تونس، وعلى تضامن المجتمع الدولي مع الشعب التونسي في سعيه نحو الحرية والكرامة.

كلمات مفتاحية ثانوية: حقوق الإنسان في تونس، قيس سعيد، الربيع العربي، المعتقلون السياسيون، حرية التعبير.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version