في خطوة تاريخية تعكس التزام المغرب الراسخ بمكافحة الإرهاب وتقديم الدعم للضحايا، استضافت العاصمة الرباط مؤتمرًا دوليًا هامًا ركز بشكل غير مسبوق على وضع ضحايا الإرهاب في أفريقيا في صميم الجهود المبذولة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. أقيم المؤتمر يومي 2 و3 دجنبر 2025، بتنظيم من المملكة المغربية وبالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، تحت شعار “دعم ضحايا الإرهاب في أفريقيا.. نحو تحقيق العدالة والتعافي وتعزيز القدرة على الصمود.”
مؤتمر الرباط: نقطة تحول في دعم ضحايا الإرهاب
يمثل هذا المؤتمر مبادرة رائدة، فهو الأول من نوعه الذي يضع ضحايا الإرهاب وناجيه على رأس أولويات النقاش المؤسساتي المتعلق بمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية. شارك في هذا الحدث الهام وزراء من عدد من الدول الأفريقية، ومسؤولون أمميون، وخبراء في المجال، بالإضافة إلى ممثلي جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في دعم الضحايا. الهدف الرئيسي للمؤتمر هو تبادل الخبرات حول الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه ضحايا الإرهاب في جهود مكافحته، وتعزيز الاستراتيجيات الوطنية التي تهدف إلى تقديم الدعم اللازم لهم، وحشد المزيد من الموارد لضمان حصولهم على الاعتراف والمساعدة التي يستحقونها.
تدهور الوضع الأمني في أفريقيا وتأثيره على المدنيين
أكد المشاركون في المؤتمر أن القارة الأفريقية أصبحت المنطقة الأكثر تضررًا من الإرهاب على مستوى العالم. وأشار وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في كلمته الافتتاحية إلى أن الإرهاب في أفريقيا ليس مجرد أزمة أمنية، بل هو مأساة جماعية لها تداعيات إنسانية عميقة تتجاوز الخسائر المادية.
وفي هذا السياق، لفت بوريطة إلى أن منطقة غرب أفريقيا وحدها شهدت حوالي 450 هجومًا إرهابيًا في عام 2025، خلّف أكثر من 1900 قتيل. كما أشار إلى أن منطقة الساحل أصبحت بؤرة رئيسية للجماعات الإرهابية، مما أدى إلى تزايد عدد الهجمات وتفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية. هذه الأرقام المروعة تؤكد الحاجة الملحة إلى التعامل مع الإرهاب في أفريقيا بمنظور شامل يراعي الجوانب الإنسانية والحقوقية.
أهمية بناء رؤية أفريقية مشتركة
شدد بوريطة على ضرورة بناء رؤية أفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب، ترتكز على اعتبار الضحايا محورًا للسياسات، وتقديرهم كفاعلين أساسيين في مواجهة التطرف. ودعا إلى الاستفادة من التجارب الأفريقية المتنوعة في التعامل مع قضايا الإرهاب، بهدف بلورة تصور واضح لاحتياجات الضحايا والناجين، وصياغة إطار أفريقي مشترك يمكن أن يوجه السياسات العمومية المتعلقة بدعمهم وحمايتهم.
المقاربة المغربية الشاملة لمكافحة الإرهاب
استعرض وزير الخارجية المغربي الرؤية المغربية لمكافحة الإرهاب، والتي تقوم على ثلاثة أبعاد رئيسية:
- البعد الأمني: من خلال اليقظة المستمرة، وتفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف منابع تمويلها.
- البعد التنموي: عبر تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ومحاربة الفقر والبطالة، وتوفير فرص عمل للشباب.
- البعد الديني والفكري: من خلال إصلاح الخطاب الديني، وتكوين الأئمة والمرشدين، ونشر قيم الوسطية والاعتدال.
كما دعا بوريطة الشركاء الدوليين إلى دعم المبادرات الأفريقية في مجال مساندة الضحايا، وتمويل الآليات المبتكرة، مثل الشبكات القارية والمنصات الرقمية.
دعم الأمم المتحدة وتأكيد التعاون الدولي
من جانبه، أكد القائم بأعمال وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ألكسندر زوييف، أن الأنشطة الإرهابية في أفريقيا، خاصة في غرب أفريقيا والساحل، قد أدت إلى نزوح أكثر من 4 ملايين شخص. وأشار إلى أن الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب غير كافية، وضرورة التركيز على التكلفة الإنسانية لهذا الإرهاب، وتوفير الدعم اللازم للضحايا.
وشدد زوييف على أهمية وضع أطر قانونية وسياسية وإنسانية تضمن تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، معربًا عن دعم الأمم المتحدة لتوسيع عمل شبكة جمعيات ضحايا الإرهاب، وبناء مجتمع يهتم بحقوقهم.
إعلان الرباط: التزام بتفعيل حقوق ضحايا الإرهاب
في ختام أشغاله، اعتمد المؤتمر “إعلان الرباط” بشأن دعم ضحايا الإرهاب في أفريقيا. وتضمن الإعلان التزام الدول الأعضاء بالاعتراف بالحقوق الأساسية للضحايا، بما في ذلك الحق في الحقيقة والعدالة والاعتراف والذاكرة وجبر الضرر. كما حث على تعزيز التشريعات الوطنية وأنظمة الدعم بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، وتقديم الدعم النفسي والطبي والاجتماعي والاقتصادي للضحايا وأسرهم.
إعلان الرباط يمثل خطوة مهمة نحو حماية ضحايا الإرهاب في أفريقيا، ويعكس التزامًا قويًا بتحقيق العدالة والإنصاف لهم. ويهدف إلى توفير إطار عمل شامل يمكن أن يوجه الجهود الوطنية والإقليمية والدولية في مجال دعم الضحايا، وتعزيز قدرتهم على الصمود والتعافي.
المغرب.. مركز رائد لمكافحة الإرهاب في أفريقيا
من خلال استضافتها لهذا المؤتمر الدولي الأول من نوعه في أفريقيا، تؤكد المملكة المغربية دورها الريادي في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي. كما تعزز من مكانتها كشريك موثوق به للمجتمع الدولي في جهود مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، وتوفير الدعم اللازم لضحاياها. المقاربة المغربية الشاملة، التي تجمع بين الصرامة الأمنية والبعد الإنساني، تمثل نموذجًا يحتذى به في التعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف العنيف. ويأتي ذلك في سياق دعم المغرب المستمر للمبادرات الأفريقية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في القارة.



