معاناة المقدسيين تتفاقم داخل المحاكم الإسرائيلية، وتواجههم إجراءات تهدف إلى تقويض وجودهم في المدينة. بدءًا من أوامر الهدم وسحب الإقامة، مرورًا بالمخالفات المتعلقة بالبناء والضرائب، وصولًا إلى القضايا الأسرية المعقدة، يجد الفلسطينيون في القدس أنفسهم في مواجهة نظام قانوني يهدف إلى ترحيلهم وتغيير الهوية الديموغرافية للمدينة. في هذا السياق، تلعب المؤسسات الحقوقية في القدس دورًا حيويًا في تقديم الدعم القانوني وحماية حقوق السكان المحليين.

أهمية المؤسسات الحقوقية في حماية المقدسيين

بعد ضم إسرائيل للقدس عام 1967 بشكل غير قانوني، أصبحت المدينة معزولة عن باقي الأراضي الفلسطينية، مما أدى إلى تعقيد الحياة المدنية وزيادة الضغوط على الفلسطينيين. هذه العزلة، بالإضافة إلى محاولات تهويد القدس المستمرة، تضع المؤسسات الحقوقية في الخطوط الأمامية للدفاع عن حقوق المقدسيين. تعتبر هذه المؤسسات بمثابة شريان الحياة للمجتمع الفلسطيني في المدينة، خاصةً بعد اضطرار العديد منها، حتى المسجلة رسميًا، إلى مغادرة القدس بسبب جدار الفصل العنصري الذي بُني عام 2002.

دعم النساء المقدسيّات: أولوية قصوى

مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في القدس هو أحد هذه المؤسسات الهامة. تؤكد رندة سنيورة، مديرة المركز، على أهمية تقديم الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي للنساء المقدسيّات، اللواتي غالبًا ما يكنّ ضحايا للعنف الأسري والتهميش.

تحديات القوانين المتعددة

توضح سنيورة أن تعقيد القضايا الأسرية في القدس ينبع من تطبيق ثلاثة قوانين مختلفة: أردني، فلسطيني، وإسرائيلي. هذا التعدد القانوني يخلق صعوبات جمة في المحاكم الشرعية والكنسية ومحاكم شؤون العائلة، مما يستدعي تدخلًا متخصصًا لتقديم المشورة القانونية المناسبة. المركز يعمل من خلال ناشطات نسويات لتوعية المجتمع الفلسطيني بحقوقهن المختلفة، مع التركيز بشكل خاص على القضايا العائلية المعقدة.

الحماية من المؤسسات الإسرائيلية

تؤكد سنيورة أن النساء المقدسيّات غالبًا ما يفضلن عدم التعامل مع وزارة الشؤون الاجتماعية والشرطة الإسرائيلية، وبالتالي هن بحاجة ماسة للحماية والدعم من مؤسسات فلسطينية موثوقة. معظم المستفيدات من خدمات المركز ينحدرن من ضواحي القدس ويحملن هوية الضفة الغربية، وهن متزوجات من مقدسيين، ويعانين من مشاكل ناتجة عن ازدواجية القوانين.

مركز العمل المجتمعي: دعم شامل للمقدسيين

يعتبر مركز العمل المجتمعي التابع لجامعة القدس من أبرز المؤسسات القانونية في القدس التي تقدم المساعدة للمقدسيين. يشير منير نسيبة، مدير المركز، إلى أن المدينة أصبحت معزولة بعد الضم، وأن المقدسيين فقدوا العديد من الخدمات التي كانت تقدمها السلطة الفلسطينية. هذا الوضع فرض عبئًا كبيرًا على منظمات المجتمع المدني.

خدمات قانونية مجانية

منذ تأسيسه عام 1999، يهدف المركز إلى دعم الفلسطينيين في الحفاظ على حقوقهم في مواجهة الاحتلال. يقدم المركز خدمات قانونية مجانية للمقدسيين، بما في ذلك المساعدة في قضايا هدم المنازل، ومخالفات البناء، والديون المستحقة، والحرمان من السكن. هذه الخدمات ضرورية لأن العديد من المقدسيين لا يستطيعون تحمل تكاليف المحامين.

الرصد والتوثيق والمناصرة

بالإضافة إلى الخدمات القانونية، يقوم المركز برصد وتوثيق انتهاكات الاحتلال، مثل سحب حق الإقامة، وهدم المنازل، والاعتداء على حرية العبادة. يتم جمع هذه المعلومات في تقارير يتم تقديمها إلى المحافل الدولية، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، بالإضافة إلى المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي. يهدف هذا العمل إلى فضح سياسات الاحتلال وكسب الدعم الدولي لحقوق الفلسطينيين.

مواجهة سياسات الاحتلال: تحديات مستمرة

المؤسسات الحقوقية في القدس تواجه تحديات كبيرة في عملها، بما في ذلك القيود المفروضة على الحركة، والتهديدات من قبل السلطات الإسرائيلية، وصعوبة الحصول على التمويل. ومع ذلك، فإنها تواصل عملها الدؤوب في تقديم الدعم القانوني والإنساني للمقدسيين، ومحاولة كبح جماح سياسات التضييق التي تستهدفهم.

في ظل غياب العديد من المؤسسات الفلسطينية التي اضطرت إلى مغادرة المدينة، يظل المركزان المذكوران، وغيرهما من المؤسسات الحقوقية، خط الدفاع الأول عن المقدسيين، ويسعون جاهدين لضمان بقائهم وحماية حقوقهم في مدينتهم. إن دعم هذه المؤسسات وتعزيز قدراتها أمر ضروري لضمان مستقبل عادل ومستقر للمقدسيين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version