تخيل أن كل ما نعرفه عن الكون يمكن أن يفنى في لحظة، بسبب اضطراب كمي صغير. هذا الاحتمال – الذي يبدو بعيد المنال – يثير تساؤلات عميقة حول استقرار الوجود، والقوى الخفية التي تحافظ على توازن هذا النظام المعقد. يناقش هذا المقال، المترجم من مجلة “نيوساينتست”، المخاطر المحتملة التي تهدد الكون، وكيف يمكن لفيزياء الكم أن تفسر بقاءه على حاله، بل وربما يكشف عن مصيره النهائي.
على الرغم من اتساع الكون الشاسع، والمليارات من السنوات الضوئية التي تفصل بين المجرات، إلا أن استقراره ليس مضموناً. فهل من الممكن أن يختفي كل شيء بسبب حدث كارثي غير متوقع؟ يدرس العلماء نظريات مختلفة، بما في ذلك “الابتلاع العظيم”، وهي فكرة مفادها أن فقاعة من الطاقة ستنتشر عبر الكون، وتعيد كتابة قوانين الفيزياء الأساسية، مما يؤدي إلى تدمير كل ما هو موجود.
هل الكون مستقر حقاً؟
الأساس في هذه المخاوف هو حقل هيغز، وهو حقل كمي موجود في كل مكان، يمنح الجسيمات الأولية كتلتها. هذا الحقل، على الرغم من أهميته، يبدو أنه في حالة غير مستقرة. القياسات الدقيقة تشير إلى أن حقل هيغز يقع على حافة وجود طاقة أقل، مما يجعله عرضة للتغيير المفاجئ.
إذا تحول حقل هيغز إلى حالته الأكثر استقراراً، ستبدأ سلسلة من التفاعلات التي ستخلق فقاعة من الطاقة الجديدة. هذه الفقاعة ستتوسع بسرعة الضوء، وتبتلع كل شيء في طريقها، مما يؤدي إلى تغيير قوانين الفيزياء في كل مكان. ووفقا للعلماء، فإن هذا الانتقال الطوري، على الرغم من أنه يبدو مستحيلاً، ليس مستبعداً تماماً.
الثقوب السوداء ودورها المحتمل
تعتبر الثقوب السوداء، وخاصة الثقوب السوداء البدائية الصغيرة، من بين العوامل التي قد تؤدي إلى هذا التغيير. يُعتقد أن هذه الثقوب السوداء، التي تكونت في اللحظات الأولى للكون، تمتلك مجال جاذبية مكثف، يمكنه أن يحفز انتقال حقل هيغز إلى حالته الأكثر استقراراً.
تشير الأبحاث إلى أن الثقوب السوداء الأصغر حجماً، بسبب انحناء الزمكان العالي حولها، أكثر عرضة لإحداث هذا التحول. إضافة ذلك، تشير النماذج إلى أن تصادمات الجسيمات عالية الطاقة – سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان في مصادمات الهادرونات – يمكن أن تخلق أيضاً ثقوباً سوداء صغيرة، مما يزيد من احتمال حدوث “الابتلاع العظيم”.
التوازن الدقيق في الكون
ومع ذلك، يرى بعض العلماء أن الكون في حالة توازن دقيق، وأن هناك قوى خفية تعمل للحفاظ على استقرار حقل هيغز. قد تكون هذه القوى مرتبطة بظواهر فيزيائية جديدة لم يتم اكتشافها بعد، مثل الجسيمات المرافقة الفائقة، التي تفترض نظرية التناظر الفائق وجودها.
تُظهر القياسات الحديثة أن الكون قد يكون بالفعل في حالة شبه مستقرة، مما يعني أنه لم يتأثر بعد بالاضطرابات التي يمكن أن تؤدي إلى “الابتلاع العظيم”. وهذا يشير إلى أن هناك شيئاً ما يعمل على إبطاء عملية الانتقال الطوري، أو ربما منعها تماماً.
مستقبل الأبحاث الكونية
على الرغم من أن خطر “الابتلاع العظيم” يبدو بعيداً، إلا أن العلماء يأخذون هذه الإمكانية على محمل الجد. تجري حالياً تجارب في جامعة كامبريدج لمحاكاة الانتقالات الطورية في المختبر، وذلك لفهم أفضل للعوامل التي قد تؤدي إلى هذا الحدث الكارثي. وتهدف هذه التجارب إلى تحديد ما إذا كانت تصادمات الجسيمات يمكن أن تخلق ظروفاً مماثلة لتلك التي قد تحدث في الكون.
يجب على الباحثين أيضاً دراسة تأثيرات تصادمات النوى الضخمة، والتي قد تكشف عن معلومات جديدة حول استقرار حقل هيغز. إضافة إلى ذلك، فإن البحث عن جسيمات جديدة، مثل تلك التي تتنبأ بها نظرية التناظر الفائق، يمكن أن يوفر أدلة حاسمة حول القوى التي تعمل على الحفاظ على استقرار الكون.
في الوقت الحالي، لا يزال مصير الكون مجهولاً. ومع ذلك، فإن الأبحاث المستمرة في مجال الفيزياء وعلم الكونيات، والخلاصات الناتجة عنها، تسعى إلى إلقاء الضوء على هذه الأسئلة العميقة، وربما الكشف عن القوى الخفية التي تحكم وجودنا. الخطوة التالية ستكون تحليل البيانات الجديدة من مصادم الهادرونات الكبير، والبحث عن أي علامات تدل على عدم استقرار حقل هيغز، أو وجود جسيمات جديدة قد تؤثر على مصير الكون.


