تُعدّ موجات تسونامي من أخطر الظواهر الطبيعية التي تهدد المناطق الساحلية حول العالم، خاصةً تلك المرتبطة بالنشاط الزلزالي في قاع البحار. في 29 يوليو 2025، هزّ زلزال بقوة 8.8 درجة شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا، مما أثار تحذيرات واسعة النطاق من حدوث موجات تسونامي مدمرة في منطقة المحيط الهادئ، بما في ذلك روسيا واليابان وجزر هاواي. لحسن الحظ، كانت الموجات الناتجة أقل تدميراً مما توقع الخبراء، لكن الحادث سلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الزلازل وتكوّن هذه الموجات.
الزلازل وموجات تسونامي.. علاقة معقدة
تنشأ الزلازل البحرية نتيجة لحركة الصفائح التكتونية تحت سطح الماء. تتراكم كميات هائلة من الطاقة على طول الصدوع، ثم تنطلق فجأةً على شكل اهتزازات. عندما يحدث هذا بالقرب من قاع البحر، يمكن أن يؤدي إلى إزاحة كمية كبيرة من المياه، مما يتسبب في تكوين موجات تسونامي.
يقول الدكتور كاتسو غودا، الأستاذ المشارك في علوم الأرض بجامعة ويسترن، إن زلزال كامتشاتكا كان من نوع “زلزال الاندساس”، حيث تنزلق صفيحة محيطية تحت قارة أخرى. هذا النوع من الزلازل يميل إلى أن يكون قوياً جداً بسبب سرعة حركة الصفائح، مما يؤدي إلى تراكم الطاقة بسرعة أكبر.
عندما يحدث هذا في بيئة بحرية، تتحرك أجزاء من القشرة الأرضية عمودياً، مما يؤدي إلى إزاحة المياه. هذه الإزاحة تخلق اضطراباً على سطح البحر يتحول إلى موجات كبيرة تنتشر في جميع الاتجاهات.
آلية تكوّن موجات تسونامي
وفقاً للدكتور غودا، حدث في زلزال كامتشاتكا انزلاق زلزالي يزيد عن 10 أمتار في الجزء الضحل من الصدع. هذا أدى إلى رفع قاع البحر فجأة، وبالتالي رفع المياه فوقه. تحاول المياه المرتفعة العودة إلى وضعها الطبيعي بفعل الجاذبية، مما ينتج موجات تنتشر بسرعة عالية.
تختلف موجات تسونامي عن الأمواج العادية الناتجة عن الرياح. فهي تمتلك طاقة ضخمة تنتقل عبر عمق الماء، وليس فقط على السطح. يمكن أن تسافر لمسافات طويلة بسرعة تصل إلى 800 كيلومتر في الساعة في المحيطات العميقة، ولكنها تبقى غير ملحوظة بسبب طولها الموجي الكبير.
مع اقتراب الموجات من الشاطئ، يقل عمق المياه، مما يؤدي إلى تباطؤها وارتفاعها بشكل كبير. هذا الارتفاع المفاجئ هو الذي يتسبب في الفيضانات والدمار على طول السواحل.
“الهدوء المخادع” وتأخر وصول الموجات
أحد الجوانب المثيرة للانتباه في زلزال كامتشاتكا هو التأخر في وصول موجات تسونامي إلى الشواطئ. ففي حين أن الزلزال حدث في وقت مبكر، لم تبدأ الموجات في الوصول إلا بعد ساعات في بعض الحالات. يُعرف هذا التأخير باسم “الهدوء المخادع”.
يشرح الدكتور غودا أن هذا التأخير يرجع إلى أن الموجات الزلزالية تنتقل بسرعة أكبر بكثير من موجات تسونامي. فالموجات الزلزالية تصل في غضون دقائق، بينما قد تستغرق موجات تسونامي ساعات للوصول إلى الشواطئ البعيدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سرعة موجات تسونامي تعتمد على عمق المياه. ففي المحيطات العميقة، تنتقل الموجات بسرعة عالية، ولكنها لا ترتفع بشكل كبير. ومع ذلك، عندما تصل الموجات إلى المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ، فإنها تتباطأ وترتفع، مما يزيد من خطرها.
لماذا لم يكن التسونامي أكثر تدميراً؟
على الرغم من قوة الزلزال، إلا أن موجات تسونامي الناتجة كانت أقل تدميراً مما كان متوقعاً. يعزو الخبراء ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك نوع الحركة التكتونية، وعمق الزلزال، واتجاه الطاقة الزلزالية، وتضاريس قاع البحر.
تشير التحليلات إلى أن حركة الصدع خلال زلزال كامتشاتكا كانت مائلة إلى أفقي، وليس رأسية بشكل واضح. هذا يعني أن الإزاحة العمودية لقاع البحر كانت محدودة، مما أدى إلى تقليل حجم الموجات المتولدة. كما أن عمق الزلزال (أكثر من 40 كيلومترًا) ساهم في امتصاص جزء من الطاقة الزلزالية وتوزيعها على نطاق واسع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اتجاه الطاقة الزلزالية لم يكن موجهاً نحو المناطق الساحلية المكتظة بالسكان. وهذا ساعد على تبديد الطاقة قبل أن تصل إلى الشواطئ.
دور أنظمة الإنذار المبكر
لعبت أنظمة الإنذار المبكر دوراً حاسماً في تقليل الأضرار الناجمة عن موجات تسونامي. فقد أصدرت هذه الأنظمة تحذيرات في الوقت المناسب، مما سمح للملايين من الأشخاص بالإخلاء إلى أماكن آمنة.
يؤكد الدكتور غودا على أهمية هذه الأنظمة، مشيراً إلى أنها أصبحت أكثر تطوراً ودقة في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، يشدد على ضرورة مواصلة البحث والتطوير لتحسين قدرتنا على التنبؤ بتأثيرات التسونامي والاستعداد لها.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تركز الجهود على تعزيز شبكات الرصد البحرية، وتطوير نماذج تنبؤ أكثر دقة، وزيادة الوعي المجتمعي بمخاطر التسونامي. ستساعد هذه الإجراءات على حماية المجتمعات الساحلية من هذه الكوارث الطبيعية المدمرة.


