الألياف الغذائية هي محطة أساسية في رحلة الصحة والعافية، وهي تحظى باهتمام متزايد من الخبراء والمختصين في مجال التغذية. فالدكتور بيتر عطية، الباحث المعروف في مجال طب إطالة العمر ومؤلف كتاب “البقاء على قيد الحياة: علم وفن إطالة العمر”، يؤكد أن الأشخاص الذين يتبعون نظامًا غذائيًا غنيًا بالألياف يميلون غالبًا إلى تبني نمط حياة صحي بشكل عام، بما في ذلك ممارسة الرياضة، والإقلاع عن التدخين، والحصول على قسط كافٍ من النوم. هذا التشديد على أهمية الألياف ليس مجرد توصية غذائية، بل هو جزء لا يتجزأ من فلسفة حياة متكاملة تهدف إلى تعزيز الصحة وطول العمر.

ما هي الألياف الغذائية ولماذا هي مهمة؟

وفقًا للباحثين في جامعة ستانفورد، تُعرّف الألياف الغذائية بأنها كربوهيدرات غير قابلة للهضم موجودة بشكل طبيعي في الفواكه والخضروات والمكسرات والحبوب. هذا التعريف البسيط يخفي وراءه عالمًا من الفوائد الصحية المتنوعة. فالألياف ليست مجرد مادة مالئة في الطعام، بل هي عنصر فعال يعمل على تحسين وظائف الجسم بطرق متعددة.

الدكتور عطية يميز بين أنواع مختلفة من الألياف، ولكل نوع دوره الخاص في دعم الصحة العامة. فهم هذه الأنواع المختلفة وكيفية عملها هو مفتاح الاستفادة القصوى من هذه المادة الغذائية القيمة.

أنواع الألياف الغذائية وكيفية عملها

ألياف تدعم حركة الأمعاء

تُعرف هذه الألياف بأنها “غير قابلة للذوبان في الماء”. خلال رحلتها في الجهاز الهضمي، لا تقوم بكتيريا الأمعاء بتخميرها، بل تبقى سليمة إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن هذه الألياف تحفز بطانة الأمعاء على إفراز الماء والمخاط، مما يسهل حركة الطعام ويخفف السموم في القولون. ونتيجة لذلك، يتم تقليل الإمساك وتعزيز إنتاج الفضلات، مما يساعد على تنظيف الجسم من الداخل.

تشمل مصادر هذه الألياف الخضروات، وقشور الفواكه، والحبوب الكاملة، والنخالة. كما توجد في ألياف البكتين الموجودة في التفاح والحمضيات والجزر، وفي ألياف بيتا غلوكان الموجودة في الشوفان الكامل والشعير وبعض أنواع الفطر، بالإضافة إلى قشور السيليوم التي غالباً ما تُستخدم كمكمل غذائي.

ألياف تدعم بكتيريا الأمعاء

يُشار إلى هذا النوع من الألياف باسم “الألياف القابلة للتخمير والذوبان في الماء” أو البريبايوتيك. تعمل هذه الألياف كغذاء لبكتيريا الأمعاء المفيدة، حيث تقوم بتفكيكها لإنتاج أحماض دهنية قصيرة السلسلة تدعم صحة الأمعاء، وتنظم درجة الحموضة، وتحسن عملية الأيض (التمثيل الغذائي)، وتقلل من الالتهابات.

توجد هذه الألياف في أطعمة مثل الفاصوليا والبكتين والإينولين (الذي يوجد في الخرشوف والهليون والموز والشوفان). بالإضافة إلى ذلك، تحتوي بعض أنواع النشويات المقاومة، مثل الموز الأخضر والبقوليات والبطاطس المطبوخة، على خصائص مماثلة.

ألياف تُحسّن نسبة السكر في الدم

تشبه هذه الألياف الأنواع القابلة للتخمير والذوبان التي ذكرت سابقًا، حيث تمتلك القدرة على امتصاص الماء وتكوين مادة هلامية داخل الأمعاء. هذه المادة الهلامية تبطئ إفراغ المعدة، وتنظم مستويات السكر في الدم، وتخفض الكوليسترول. وتعتبر ألياف البكتين والبيتا غلوكان من الأمثلة البارزة على هذا النوع من الألياف.

فوائد اتباع نظام غذائي غني بالألياف

الألياف تعتبر من العناصر الغذائية التي غالبًا ما لا تحظى بالتقدير الكافي، على الرغم من أهميتها القصوى لصحة ميكروبيوم الأمعاء. ففي حين أن أسلافنا كانوا يستهلكون ما يصل إلى 100 غرام من الألياف يوميًا، فإن معظم البالغين اليوم لا يستهلكون سوى 15 غرامًا.

الدكتور عطية يسلط الضوء على أربع فوائد رئيسية لاتباع نظام غذائي غني بالألياف:

  • الشعور بالشبع والتحكم في الوزن.
  • ضبط نسبة السكر في الدم.
  • صحة القلب والأوعية الدموية.
  • الوقاية من سرطان القولون والمستقيم.

أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2022 أن تناول كميات كبيرة من الألياف يحفز بكتيريا الأمعاء على إنتاج مواد كيميائية تساعد على تكسير الكوليسترول الضار. ووفقًا للدكتور محمد طهين، فإن الألياف تلعب دورًا لا غنى عنه في ربط الهضم والمناعة والمزاج والوقاية من الأمراض، وتعتبر بمثابة وقود لبكتيريا الأمعاء وجسر نحو صحة أفضل.

الحذر من الإفراط في تناول الألياف

على الرغم من فوائدها العديدة، يجب الانتباه إلى عدم الإفراط في تناول الألياف. فقد أظهرت دراسات جامعة ستانفورد أن تأثير الألياف يختلف باختلاف أنواعها وفي أجسامنا المختلفة. كما حذرت اختصاصية التغذية الدكتورة روبن دي سيكو من أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض معوية سابقة قد يواجهون مضاعفات عند تناول كميات كبيرة من الألياف دفعة واحدة.

لذا، يوصى بتناول الألياف تدريجيًا وتوزيعها على الوجبات لتجنب الانتفاخ والمغص والإمساك.

الألياف ليست كل شيء: أهمية التنوع

الدكتور عطية يؤكد أن “ليست كل الألياف تؤدي نفس الوظيفة”، وأن “اختلاف الألياف وتنوعها، يوفر صحة فريدة للأمعاء وفوائد أخرى”. فكل نوع من الألياف يغذي أنواعًا مختلفة من الميكروبات، والتنوع الميكروبي هو أساس أمعاء مرنة وفعالة. ولهذا السبب، فإن تناول نوع واحد من الألياف بشكل منفرد لا يكفي.

بدلًا من الاعتماد على مكملات الألياف، ينصح الخبراء بتناول مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات والبقوليات والبذور والحبوب الكاملة لضمان حصول أمعائنا على التغذية المتوازنة التي تحتاجها.

في الختام، تعتبر الألياف الغذائية عنصرًا أساسيًا لتحقيق صحة مثالية وعمر مديد. فهم أنواعها المختلفة وفوائدها المتعددة، بالإضافة إلى الحرص على تناولها باعتدال وتنوع، يمكن أن يساعدك على الاستفادة القصوى من هذه المادة الغذائية القيمة. تذكر، التغيير التدريجي والتركيز على الأطعمة الطبيعية الكاملة هما مفتاح النجاح في رحلتك نحو صحة أفضل.

شاركها.
اترك تعليقاً