في خطوة تعكس حرص المؤسسات الصحفية على إرساء قواعد المهنية واحترام الخصوصية الإنسانية، أصدرت شعبة المصورين الصحفيين بنقابة الصحفيين المصرية توجيهاً صارماً لكافة المصورين وممثلي وسائل الإعلام، يقضي بعدم تغطية أو تصوير مراسم جنازة شقيقة الفنان الكبير عادل إمام، السيدة «منى إمام»، التي وافتها المنية مؤخراً. هذا القرار، الذي يهدف إلى حماية خصوصية الأسرة في لحظات الحزن، يمثل نقطة تحول في طريقة تعامل الإعلام مع جنازات المشاهير في مصر.
قرار نقابة الصحفيين: احتراماً للخصوصية وحرمة الموت
جاء هذا التوجيه النقابي استجابةً لطلب أسرة الفنان عادل إمام، التي فضلت أن تكون مراسم الجنازة مقتصرة على الأهل والأقارب، بعيداً عن عدسات الكاميرات والتغطية الإعلامية المكثفة. الهدف الأساسي هو توفير جو من السكينة والوقار الذي يليق بجلال الموت، والسماح للعائلة بتأدية واجب العزاء في هدوء.
القرار لم يكن مفاجئاً، بل جاء تتويجاً لجهود متواصلة تهدف إلى تنظيم عمل المصورين الصحفيين ووسائل الإعلام خلال تغطية الأحداث المؤلمة. النقابة تؤكد على أن احترام مشاعر الأهل والحد من المبالغة في التغطية الإعلامية هما جزء أساسي من أخلاقيات المهنة الصحفية.
سياق القرار: أزمة تغطية الجنازات في مصر
لا يأتي هذا القرار بمعزل عن المشهد الإعلامي في مصر، الذي شهد في السنوات الأخيرة انتقادات حادة لطريقة تغطية بعض الجنازات، خاصةً تلك الخاصة بالشخصيات العامة. فقد تحولت بعض هذه المراسم إلى تجمعات صاخبة وفوضوية، مع قيام المصورين و”البلوجرز” بالتنافس على التقاط صور ومقاطع فيديو قد تكون مؤذية لمشاعر ذوي الفقيد.
هذه الممارسات أثارت جدلاً واسعاً حول حدود حرية الإعلام ومسؤوليته تجاه المجتمع. وقد دعت نقابة الصحفيين ونقابة المهن التمثيلية إلى عقد اجتماعات مشتركة لمناقشة هذه القضية ووضع ضوابط أخلاقية واضحة لتغطية الجنازات. الهدف هو منع تكرار المشاهد المسيئة التي انتشرت على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي أظهرت في بعض الأحيان عدم مراعاة للحالة النفسية لأهالي المتوفين.
تجاوزات سابقة وتأثيرها على الرأي العام
العديد من الحالات السابقة دفعت إلى المطالبة بتنظيم أكثر صرامة لتغطية الجنازات. التدافع، والتقاط الصور بشكل غير لائق، ومحاولة إجراء مقابلات مع المعزين في لحظات حزنهم، كلها أمور أثارت غضب واستياء الجمهور. هذه التجاوزات أدت إلى تآكل الثقة في بعض وسائل الإعلام، وزادت من الضغط على النقابات المهنية لاتخاذ إجراءات حاسمة.
أهمية الحدث ومكانة الفنان عادل إمام
تكتسب هذه القضية أهمية مضاعفة نظراً للمكانة الرمزية للفنان عادل إمام في مصر والعالم العربي. “الزعيم”، كما يحلو للجمهور أن يناديه، يعتبر من أهم وأشهر الفنانين في تاريخ السينما المصرية، وله قاعدة جماهيرية عريضة تقدره وتحترمه.
أي حدث يمس حياة الفنان عادل إمام أو أسرته يحظى باهتمام إعلامي وجماهيري كبير. ومع ذلك، فإن قرار منع التصوير يرسل رسالة واضحة مفادها أن شهرة الفنان لا تمنحه الحق في استباحة خصوصيته أو خصوصية عائلته في لحظات الألم والحزن. القرار يؤكد على أن الإنسانية تأتي قبل الشهرة، وأن احترام مشاعر الآخرين هو واجب أخلاقي وإنساني.
المسؤولية الأخلاقية للإعلام وتغطية الوفيات
إن التزام المصورين الصحفيين بقرار نقابة الصحفيين يمثل اختباراً حقيقياً لمستوى المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للصحافة المصرية. فاحترام رغبة الأسرة في الخصوصية يعزز من ثقة الجمهور في الإعلام المهني، ويميز بين الصحافة التي تلتزم بالقيم الإنسانية وتلك التي تسعى فقط وراء الإثارة و”التريند”.
الصحافة المهنية يجب أن تكون حريصة على تقديم المعلومات الدقيقة والموضوعية، مع مراعاة مشاعر الآخرين واحترام خصوصيتهم. التغطية الإعلامية للجنازات يجب أن تكون مسؤولة وحساسة، وأن تهدف إلى إظهار الاحترام للفقيد وتقديم العزاء لأسرته، وليس إلى استغلال الحدث لتحقيق مكاسب شخصية أو مهنية.
مستقبل تغطية الجنازات في مصر
من المتوقع أن يشكل هذا الموقف سابقة مهمة في تنظيم العلاقة بين الإعلام والشخصيات العامة في لحظاتهم الخاصة. قد يؤدي إلى وضع قوانين ولوائح أكثر صرامة لتغطية الجنازات، وتحديد مسؤوليات المصورين الصحفيين ووسائل الإعلام بشكل واضح.
بالإضافة إلى ذلك، قد يشجع هذا القرار على تبني المزيد من الممارسات الأخلاقية في مجال الصحافة، مثل الحصول على موافقة الأهل قبل نشر أي صور أو معلومات تتعلق بالمتوفى، وتجنب نشر أي محتوى قد يكون مؤذياً أو مستفزاً. الهدف النهائي هو بناء صحافة أكثر احتراماً للإنسان وقيمه.
في الختام، قرار نقابة الصحفيين بمنع التصوير في جنازة شقيقة عادل إمام هو خطوة إيجابية نحو إرساء قواعد المهنية واحترام الخصوصية في الإعلام المصري. إنه يذكرنا جميعاً بأهمية التوازن بين حرية الصحافة والمسؤولية الاجتماعية، وبأن الإنسانية يجب أن تكون دائماً في صميم عملنا. نتمنى أن يكون هذا القرار بداية لمرحلة جديدة من التغطية الإعلامية المسؤولة والحساسة، وأن يساهم في تعزيز الثقة بين الإعلام والمجتمع.








