لطالما كان طهي الستيك محاطًا بالعديد من الأساطير والنصائح المتوارثة من جيل إلى جيل. سواء في كتب الطبخ التقليدية أو عبر برامج الطهي المختلفة، أو حتى في مواقع الإنترنت، تكررت هذه النصائح. ولكن، هل كل ما تعلمناه عن إعداد الستيك مثاليًا صحيحًا؟ الأبحاث الحديثة في علم الطعام تكشف لنا أن الكثير من هذه المعتقدات ليست دقيقة، بل وقد تكون مضللة. علماء الطعام والطهاة المحترفون فحصوا هذه المفاهيم بعناية من خلال التجارب العلمية، ليكتشفوا أن طرق الطهي المثالية غالبًا ما تختلف عما اعتدنا عليه. في هذا المقال، سنتناول 6 خرافات شائعة حول طهي الستيك ونكشف الحقائق العلمية التي تدحضها، لكي تتمكن من الحصول على ستيك مثالي في كل مرة. سنتطرق أيضًا إلى أهمية استخدام ميزان حرارة اللحم للحصول على أفضل النتائج.
الخرافة الأولى: إخراج الستيك من الثلاجة قبل الطهي
أحد أكثر الأوهام انتشارًا في عالم الطهي هو الاعتقاد بأن ترك شريحة الستيك خارج الثلاجة لمدة 20 إلى 30 دقيقة يساعدها على الطهي بشكل متساوٍ. ومع ذلك، أظهرت تجارب مجلة American’s Test Kitchen أن درجة حرارة مركز اللحم ترتفع بمقدار درجتين فهرنهايت فقط خلال هذه الفترة. هذا التغيير الطفيف ليس له تأثير حقيقي على توازن الطهي.
لذا، بدلًا من إضاعة الوقت في محاولة الوصول إلى درجة حرارة الغرفة، من الأفضل التركيز على تجفيف سطح اللحم جيدًا، وتتبيله بشكل صحيح، وضبط درجة حرارة المقلاة أو الشواية. هذه الخطوات هي الأكثر فعالية في تحقيق طهي الستيك بشكل مثالي ومتوازن.
الخرافة الثانية: التحمير يغلق المسام ويحبس العصارة
تُعد فكرة أن تحمير سطح الستيك على حرارة عالية “يغلق المسام” ويمنع تسرب العصارة من أكثر الخرافات شيوعًا. تبدو هذه الفكرة منطقية للوهلة الأولى، لكن الأبحاث العلمية دحضت هذا الاعتقاد تمامًا. دراسة نُشرت في عام 2011 في مجلة علوم وتكنولوجيا الطهو أكدت أن التحمير لا يحدّ من فقدان الرطوبة، وأن اللحم في الواقع لا يملك مسامات قابلة للإغلاق.
ما يحدث في الواقع هو تفاعل مايلارد، وهو تفاعل كيميائي بين الأحماض الأمينية والسكريات يحدث عند درجات حرارة تتراوح بين 285 و350 درجة فهرنهايت. هذا التفاعل هو المسؤول عن اللون البني المميز للحم ونكهته العميقة. للحفاظ على أكبر قدر ممكن من العصارة، يُوصى بالطهي البطيء على حرارة منخفضة أولاً، ثم التحمير السريع في النهاية. أو استخدام طريقة “التحمير العكسي” التي تمنح الستيك قشرة لذيذة وقوامًا طريًا مثاليًا.
الخرافة الثالثة: لا تقلب الستيك إلا مرة واحدة
تعتبر قاعدة “التقليب مرة واحدة” من المبادئ الراسخة في طهي الستيك. لكن خبير علم الطهي هارولد ماكجي في كتابه Food and Cooking: The Science and Lore of the Kitchen يفند هذه القاعدة تمامًا. يوضح ماكجي أن التقليب المتكرر يؤدي إلى نتائج أفضل من حيث القوام والطراوة ويمنع الجفاف.
عند تقليب الستيك بشكل متكرر، لا يتعرض أي جانب لحرارة مفرطة، مما يضمن طهيًا أكثر توازنًا وتوزيعًا أدق للحرارة. تشير التجارب إلى أن هذه الطريقة قد تسرع عملية الطهي بنسبة تصل إلى 30%، وتمنع احتراق السطح، وتكوّن قشرة بنية متجانسة تحول دون فقدان العصارة. ينصح ماكجي بتقليب الستيك كل 30 إلى 60 ثانية لتحقيق توازن مثالي بين النكهة والملمس والتحكم في درجة النضج.
الخرافة الرابعة: استخدام الشوكة يفقد الستيك عصارته
التحذير الشائع “لا تستخدم الشوكة أبدًا عند طهي الستيك” هو اعتقاد مبالغ فيه. تتكون أنسجة اللحم من حزم عضلية دقيقة تحتفظ بالرطوبة داخلها، مما يجعل فقدان العصارة الناتج عن ثقب واحد أو اثنين محدودًا للغاية. لا يؤثر هذا الفقدان بشكل ملحوظ على طراوة القطعة أو نكهتها.
تُظهر التجارب أن كمية السوائل التي قد تتسرب من ثقب صغير لا تُقارن بتأثير العوامل الأكثر أهمية مثل درجة الحرارة ومدة الطهي. لذلك، إذا احتاج الطاهي لاستخدام الشوكة للتحقق من درجة النضج، فلن يتسبب ذلك في ضرر كبير، طالما تم ذلك بلطف ودون تكرار. والأجدر من ذلك هو الاعتماد على ميزان حرارة اللحم للحصول على مستوى النضج المثالي.
الخرافة الخامسة: الملح يجفف اللحم إذا أضيف مبكرا
الاعتقاد بأن تمليح الستيك مبكرًا يجفف اللحم غير دقيق. صحيح أن الملح يسحب الرطوبة في البداية، ولكن بعد حوالي 45 دقيقة يبدأ تكون محلول ملحي يُعاد امتصاصه داخل الأنسجة. هذا يسمح بتتبيل أعمق ونكهة أوضح. كما أن الملح يجفف السطح الخارجي، وهو ما يُعد ميزة مهمة، لأن السطح الجاف يتيح تفاعل مايلارد الذي يمنح اللحم قشرته البنية المقرمشة.
التوقيت هو العنصر الحاسم: يجب أن يكون تمليح اللحم قبل الطهو بساعة على الأقل أو مباشرة قبل الطهي، وتجنب الفترة المتوسطة بين 10 و40 دقيقة. خلال هذه الفترة، تسحب بلورات الملح الرطوبة دون أن يتمكن اللحم من إنتاج المحلول الملحي وإعادة امتصاصه. باتباع تعليمات التمليح المناسبة، تكون النتيجة النهائية هي ستيك مثالي، متوازن النكهة، بقشرة مثالية وعصارة داخلية محتفظة.
الخرافة السادسة: اختبار النضج باللمس دقيق
يعتقد الكثيرون أن اختبار الأصابع طريقة بسيطة لمعرفة مدى نضج الستيك، وذلك بمقارنة صلابته بصلابة لحم الإبهام في اليد. لكن هذه الطريقة غير دقيقة، لأن ملمس اليد يختلف بين الأشخاص. كما أن سمك قطعة اللحم ونسبة الدهون ودرجة الحرارة الداخلية كلها عوامل تؤثر على الإحساس بالملمس. لذا، فإن الاعتماد على اللمس وحده قد يؤدي إلى إخراج الستيك قبل أو بعد الوقت المثالي.
الطريقة الأدق والأكثر أمانًا هي استخدام ميزان حرارة اللحم رقمي فوري، الذي يحدد درجة النضج بدقة: قليل النضج (120–125°F)، متوسط قليل النضج (130–135°F)، متوسط (135–145°F)، متوسط جيد (145–155°F)، وجيد النضج (أكثر من 155°F). هكذا يمكن ضمان الحصول على نتيجة مثالية في كل مرة.
باختصار، طهي الستيك يعتمد بشكل كبير على الفهم العلمي أكثر من اتباع النصائح التقليدية بشكل أعمى. التجارب العلمية الحديثة قدمت لنا معرفة أفضل لإعداد ستيك مثالي. سواء استخدمت التحمير العكسي، أو التقليب المتكرر، أو ميزان حرارة اللحم لقياس درجة الحرارة، فإن النتيجة ستكون ستيك ألذ وأكثر طراوة. لا تدع الخرافات تقف في طريقك نحو الإتقان. جرب هذه التقنيات المبنية على العلم واستمتع بنتائج تضاهي أفضل المطاعم.










