في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية اهتمامًا متزايدًا بالرياضات الجوية، وتحول حلم الطيران لدى الكثير من الشباب إلى واقع ملموس. البعض وجد ضالته في الطيران الشراعي، والبعض الآخر في طائرات الكابتر والمروحيات الخفيفة، بينما استمر آخرون في تحدي السرعة والإثارة من خلال سباق الدراجات النارية. هذه الهوايات، رغم اختلافها، تشترك في الإحساس بالحرية والمغامرة، والرغبة في استكشاف العالم من منظور مختلف. ومع ذلك، يواجه ممارسو هذه الرياضات تحديات كبيرة، أبرزها نقص الدعم والإهمال من الجهات الراعية، مما يعيق تطورها وتحولها إلى رياضات احترافية.
ازدهار الطيران الشراعي في السعودية وتحديات الدعم
شهدت السعودية، خاصة بعد إنشاء أندية طيران متخصصة، إقبالًا لافتًا على الطيران الشراعي من قبل الشباب. وقد اعترف الاتحاد السعودي بهذه الرياضة، وأصبح يُنظم لها مسابقات مختلفة. نادي سما للطيران في جدة يعتبر من أبرز هذه الأندية، حيث يجمع هواة هذه الرياضة ويقدم لهم التدريب والممارسة.
لكن، على الرغم من هذا الاهتمام المتزايد، لا تزال هذه الهواية محصورة في دائرة الممارسين، ولم تحظَ بالشهرة والاعتراف الكافيين بعد. يطمح أصحاب هذه الهواية إلى تطوير مستواهم، وأن يصبحوا طيارين قادرين على المنافسة في البطولات الخارجية. كما يأملون في الحصول على دعم مالي لتغطية تكاليف التدريب وساعات الطيران الإضافية التي تؤهلهم للمراحل المتقدمة.
قصص ملهمة من سماء جدة
أحمد سفر الزهراني، أحد محبي الطيران، يروي قصته قائلاً: “بدأ حبي للطيران منذ الصغر، ولكن لم يكن هناك مكان في المملكة يدعم هذه الهواية. سافرت إلى الأردن وتدربت هناك، وعدت إلى وطني لممارسة هذه الهواية بشكل محدود. ثم سمعت عن نادي سما للطيران في جدة، ووجدت فيه ضالتي. النادي أصبح مأوى لنا، حيث نجتمع لممارسة هذه الهواية التي نحبها جميعًا، على الرغم من أنها لم تصل بعد إلى مستوى الاحتراف.”
ويضيف الزهراني: “نطالب الجهات المختصة بتقديم الدعم لنا، سواء من خلال توفير ساعات تدريب مجانية، أو من خلال مساعدتنا في المشاركة في البطولات الدولية. الطيارون السعوديون لديهم إمكانيات كبيرة، ولكنهم يحتاجون إلى دعم لكي يتمكنوا من تحقيق طموحاتهم.”
حسن الشهراني، ممارس آخر للطيران الشراعي، يؤكد على نفس المعنى: “لم أكن أعرف شيئًا عن هذه الرياضة قبل أن ألتحق بنادي سما للطيران. بدأت في تلقي التدريب، وحصلت على الرخصة من هيئة الطيران المدني. الطيران في سماء جدة تجربة لا تُنسى، حيث يمكنك مشاهدة المدينة من الأعلى.”
الطموحات تتجاوز الهواية: نحو احترافية وخدمة الوطن
لا يقتصر طموح هؤلاء الشباب على مجرد ممارسة الهواية، بل يتعداه إلى تحويلها إلى مهنة واحتراف. ماجد، وهو شاب آخر، سافر إلى الخارج لدراسة الطيران، ولكنه اضطر إلى العودة إلى المملكة بسبب الظروف. ومع ذلك، لم يتخلَ عن حلمه في الطيران، وانضم إلى نادي سما للطيران، وحصل على الرخصة. لكنه يرى أن المجال في الداخل لا يتيح له تطوير قدراته وتحقيق طموحه في أن يصبح طيارًا محترفًا.
ويرغب هؤلاء الشباب في أن يتمكنوا من المساهمة في خدمة وطنهم من خلال مهاراتهم في الطيران. يتمنون أن يتم منحهم الفرصة للمشاركة مع جهات الإنقاذ والمراقبة، وأن يقدموا المساعدة في الحالات الطارئة. كما يأملون في أن يتم الاستفادة من خبراتهم في تطوير قطاع الطيران المدني في المملكة.
دعم الاتحاد السعودي للطيران ورؤية مستقبلية
من جانبه، أكد الكابتن عبدالله السلماني، مدير عام نادي سما للطيران، على الدعم الكامل الذي تقدمه الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية العربية السعودية لكافة أنشطة النادي. وأشار إلى أن النادي نفذ خلال العام الماضي أكثر من 3500 ساعة طيران من تدريب ورحلات تعريفية.
وأشاد السلماني بالرعاية التي يلقاها النادي من الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة. وأضاف: “رياضة الطيران الشراعي هي فروسية العصر، ونحن نسعى إلى نقل ثقافة وعلوم الطيران إلى أبناء المملكة. هذه الرياضة تغير من نمط حياة الشباب، وتزيد من اهتمامهم بالتفاصيل والدقة في التنفيذ. كما أنها رياضة ذات تأثير قوي على الشخص فكريًا، حيث إن تجربة الطيران تجربة غير مألوفة لدى الكثير من البشر، وتمنحهم إحساسًا بالحرية والإثارة.”
مستقبل الطيران الشراعي في السعودية
إن مستقبل الطيران الشراعي في السعودية يبدو واعدًا، خاصة مع تزايد الاهتمام بهذه الرياضة من قبل الشباب، والدعم الذي تقدمه الجهات المختصة. ومع توفر الإمكانيات المناسبة، يمكن أن تتحول هذه الهواية إلى قطاع اقتصادي حيوي، يوفر فرص عمل للشباب، ويساهم في تطوير قطاع الطيران المدني في المملكة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد هذه الرياضة في تعزيز السياحة الداخلية، وجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
لذا، من الضروري الاستمرار في دعم هذه الرياضة، وتوفير الإمكانيات اللازمة لتطويرها، وتشجيع الشباب على ممارستها. فمن خلال الاستثمار في هذه الرياضة، يمكن أن نحقق العديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن دعم هذه الهوايات، مثل الرياضات الجوية و سباق الدراجات النارية، يمثل استثمارًا في طاقات الشباب وتوجيهها نحو مسارات إيجابية ومثمرة.




